عبدالله الأعرج

حتى لا تكون الجامعة مدرسة كبيرة!

الاحد - 14 أكتوبر 2018

Sun - 14 Oct 2018

من شبه المتفق عليه عالميا أن الجامعة مكان تعلم ذاتي للطالب self- independent learning أي مكان لمواصلة (التعلم) غالبا من قبل الطالب، وليس (التعليم) من قبل الأستاذ الجامعي أو كما نطلق عليه (الدكتور)!

ولكيلا يبدو هذا الأمر صادما لغير المختصين بالتعليم ما بعد العام فإنني سأبسط الأمر قدر المستطاع، وأقول: إن من أهم أهداف التعليم المدرسي الابتدائي والمتوسط والثانوي أن يقوم (المعلم) بتزويد (الطالب) بالمعارف اللازمة في فروع مختلفة، وأن يتأكد (المعلم) أن (الطالب) أدرك أو اكتسب جل هذه المعرفة، وبالتالي أصبح لديه مخزون علمي scientific repertoire يؤهله لمعرفة أساسيات العلوم ويؤهله للاستزادة منها مستقبلا.

إلى هنا الأمر جميل ويسير في إطاره الطبيعي. ولكن أن تستمر مسيرة التعلم فيما بعد التعليم الثانوي على نمط معلم يزود بالمعارف وطالب يكتسبها ثم تنتهي هذه الدورة التعليمية باختبار منتصف العام وآخره يقيس هذا الاكتساب حينها يصح القول إن المدرسة والجامعة تقومان بنفس الوظيفة، وحينها تكون الجامعة مجرد مرحلة يزيد فيها الكم لا الكيف، وحينها تكون الجامعة الشقيقة الكبرى للمدرسة، وليست تلك المرحلة التعليمية الانتقالية في الجوهر والطريقة والإنتاج!

ولأن الموضوع كبير بكبر الهم التعليمي فإنني سأختصر في نقاط المعنى الحقيقي للمرحلة الجامعية، ثم أعقب بذكر الخلل الكبير حينما ينظر للجامعة على أنها نسخة مكبرة من المدرسة، فحين تذكر الجامعة فإنه من المهم جدا أن يتذكر كل من ينتمي للعمل الأكاديمي أن الجامعة:

1 - مكان (تعلم) من قبل الطالب وليس مكان (تعليم) من قبل الأستاذ، وهذا يعني أن المدرس يقوم بدور الموجه والمرشد والميسر facilitator فقط، ويترك للطالب حرية البحث المقنن والتعلم الذاتي anonymous learning وهذا كفيل بخلق جيل مبدع ومفكر، وليس مقلدا أو تقليديا.

2 - الجامعات في معظم بلاد الدنيا مكان إنتاج لا مكان استنزاف! فإذا كانت المدرسة تقوم على معلمين يتقاضون أجورهم من ميزانية الوزارة، وطلاب يتسلمون كتبهم من إدارات التعليم، فإنه يفترض في أساتذة الجامعة ومراكز أبحاثها ومطابعها وكراسي بحثها ومعاملها المتقدمة وعقاراتها والمبتعثين والموفدين إليها ومراكز خدمة المجتمع بها أن تكون جميعا مصدر دخل لسد احتياج الجامعة ذاتيا، والدفع بعجلة تقدمها وبناء اسمها محليا ودوليا، والترشيد من الإنفاق عليها من الموازنة.

3 - وعلى صعيد بناء المجتمع الحيوي والاقتصاد المتين فإن الجامعة لا تقل أهمية عن وزارة البترول أو وزارة العمل أو أي قطاع خاص ذي طابع ربحي، ذلك أن الجامعة بتنوع تخصصاتها وعلو الدرجات العلمية لأساتذتها أرض خصبه لإيجاد فرد صحيح فكريا، سليم صحيا، قادر على خلق فرص نماء من خلال برامج ريادية وأفكار غير تقليدية. الجامعة أيضا مضنة المساهمة في خلق اقتصاد متين من خلال استحداث تخصصات تواكب المرحلة، والذي سيفضي أتوماتيكيا لتوفير فرص للتوطين، وبالتالي بناء فرد وأسرة ومجتمع منتجين ونافعين وصالحين.

وحينما تختلط الحبال بالنبال ويرسخ في العقل الأكاديمي على مستوى قيادات العمل أو الأساتذة أن الجامعة مدرسة (جمبو)، حينها ستكون عبارة عن تعليم عام في مكان عال! وستكون غاية المكاسب حينها زيادة حصص من المعارف منزوعة الدسم من كل الفوائد المذكورة أعلاه.

ولأن الأكاديميا (مزيج) من الأهداف النبيلة والمكاسب السريعة والمتأنية في الوقت نفسه فإنني سأختم بالتذكير بعظم دور الأكاديميا من خلال جامعة واحدة يعرفها جل أهل الأرض، وهي جامعة هارفارد الأمريكية التي لم يتجاوز عدد طلابها 7 آلاف طالب في مرحلة البكالوريوس، بيد أنها باتت علامة فارقة landmark في تاريخ الإنسان والاقتصاد والتأثير العالمي، الأمر الذي عجزت عنه جامعات قارب عدد طلابها الـ 100 ألف طالب مع أعداد كبيرة من أعضاء هيئة التدريس وموازنات فلكية، والتي لو استثمرت بشكل علمي مدروس لقارعت أمهات الجامعات كما وكيفا، ولتنافس طلاب العلم على الالتحاق بها، وربما اقترعوا على القبول فيها!

dralaaraj@