فهيد العديم

محمد التونسي..المانشيت على هيئة ثعبان!

الأربعاء - 03 أكتوبر 2018

Wed - 03 Oct 2018

عندما تقول محمد التونسي فإنك مضطر أن تصمت قليلا، وتستسلم لشيء غامض يشبه ذلك الهدوء الذي يسبق القصيدة، أما هو فيشبه عصفها ومعراجها.

لم يكن خادم الصحافة والإعلام، ولا سيدا لها، كان في أكثر تجلياته دليلها وحاديها. لم يكن يسيّرها ولا يسير بها، كان يسير معها في الدروب - الأكثر متعة - الوعرة التي تخبئ - غالبا - مفاجآت غير سارة، وفي كل مرة لا يعود مهزوما، ولا منتصرا أيضا، لا يعود، لكنه يغادر إلى مكان أبعد وأكثر تحديا ومخاطرة.

يكاد يكون الاستثناء - في الصحافة - الذي لم يتشبث بكرسي التحرير، رغم أن البقاء على الكرسي لا يتطلب الجهد والمجازفة التي تكون السبب في المغادرة، البقاء لا يريد منك سوى ألا تعمل شيئا جديدا يستفز الذائقة الجمعية، وفي أحيان كثيرة ألا تعمل شيئا أيضا.

لكنه هو كان الصاخب المجلجل دون أن يسيء أو يجرح، وهو صاحب «المانشيت الثعبان»، ناعم وأنيق لكنه لاسع وقاتل، الثعبان أيضا كلما كان ضخما وطويلا أصبح أقل سمية وأقرب ما يكون للزينة، كذلك عناوين التونسي، قصيرة ذات رؤوس مدببة!

النجاح ليس في أن تقدم للناس ما يحبون، أو تقدم لذائقتهم ما ترغب، لكن الإبداع أن تقنعهم في الاستمتاع في أشياء لا نقول إنهم كانوا لا يحبونها، ولكن على الأقل كانوا يلتزمون الحياد تجاهها.

هكذا كان الناس مع الصحافة الاقتصادية، محلق اقتصادي، وصحيفة متخصصة في الاقتصاد استطاع أن يجعلها مقروءة من القراء غير المتخصصين في الاقتصاد، وهنا يكمن الإبداع، حيث لا تقدم عملا للنخبة وآخر للقارئ العادي، إنما تراهن على أن القارئ العادي هو نخبوي، فسرّ الصحافة معرفة كيف تجعل الناس يقرؤون، وليس معرفة ما يريدون أن يقرؤوا، وأن تعرف الخط الرفيع بين ما تريده أنت وما يريدونه هم.

هذه المساحة الضيقة المحاطة بسياج الحدس وسهام الظن يجيد التونسي اللعب - ببراعة ممتعة - في مساحتها الضيقة، رغم أن اللعب في المساحات الضيقة يجعل صاحبه أكثر عرضة للإصابات لكن التونسي في كل ملعب يغادر الملعب سليما دون «نقّالة»، لكن هذا لا يعني أنه سيعود، إلا لمساحة أخرى هو من يختار حدودها وينجح أيضا!

قبله كانت الصورة تأتي دوما «مرفقة ومرافقة» للمادة الصحفية، فيما رأى هو أن الصورة هي المادة الأساسية، كانوا «يشرحون» الصورة بكلام، ورأى التونسي أن الصورة هي القادرة على التحدث أكثر من رؤية المحرر في أغلب الأحيان، وكأنه يقول: لا تتحدث، لكن أعطني صورة قادرة على الكلام وكفى.

والآن في تحد جديد يجد نفسه عبر التلفزيون الأضخم في الخليج والعالم العربي، عاشق التحدي أمام تحد مركب، في التلفزيون أنت والصورة معا أمام المتلقي، كيف سيكون الحديث؟ هذا هو التحدي لرسم خطوط الهوية القادمة.. وسأراهن: سيُدهِش أيضا!

Fheedal3deem@