فهيد العديم

الإيجابيون الجدد!

الأربعاء - 26 سبتمبر 2018

Wed - 26 Sep 2018

هؤلاء مجموعة ينادون بنشر الفرح والأفكار والأخبار السعيدة في كل زمان ومكان، حتى لو كان في اليوم الأول للعزاء، يريدون منك خداعهم بذكر الأشياء الجميلة فقط، أما الأشياء السيئة حتى لو كانت حقائق قريبة منهم ومن الممكن أن تودي بحياتهم فإنهم يريدون تجاهلها كي يبقوا في نفسية جيدة!

ولهذا على من يؤمن بهذه الأشياء ألا يكمل قراءة هذا المقال لأنني شخص مصاب بحساسية مفرطة تجاه السلبيات، وتضخيمها أحيانا، رغم أني بطبيعتي متفائل جدا، والفرق بين التفاؤل وما يمارسه الإيجابيون أن التفاؤل هو توقع حدوث أشياء جيدة دوما، أما أصحابنا المنادون بالإيجابية فإنهم يطالبونك بتجاهل الأشياء السيئة التي حدثت فعلا، وهؤلاء يذكرونني بحيلة يفعلها القرويون قديما مع أبقارهم، فلقلة المحصول آنذاك - الذي يصل أحيانا للندرة - ولرغبتهم بتدليل أبقارهم بوجبة برسيم محترمة، ولعدم وجود البرسيم فإنهم يلبسون بقراتهم نظارات خضراء اللون، ثم يقدمون لها وجبة (تبن) بايت، فتراه البقرة عبر النظارة الخضراء عبارة عن وجبة برسيم شهية، وبهذا يحافظ صاحبها على نفسيتها رائعة، وهي تستمتع (بلون) الوجبة الخضراء.

هذه الإيجابية انتقلت للإعلام في السنوات الماضية ووصلت للذروة هذه الأيام، في بدايتها كانت حيلة ذكية لتمرير مدح أو تسويق لمسؤول أو جهة ما، فيعمد إلى تدبيج مديحه بمقدمة تقول إنه سيكتب من باب الإنصاف، وإنه يقول للمحسن أحسنت مثلما ينتقد المقصر، ثم يبدأ بعد ذلك بمعلقة مديح. تطور الأمر قليلا فكثر (المنصفون) الذين يثنون على تميز الأشخاص والجهات الخدمية، وفي الآونة الأخيرة تقدموا خطوة جريئة للأمام وأصبحوا يقرعون ويغضبون ممن يشير إلى أخطاء وسلبية المؤسسات سواء كانت حكومية أو خاصة، بحجة أن الأخطاء من الطبيعي أن تحدث في الجهد

البشري مهما كان مبدعا وعظيما، وأن الحديث عن السلبيات أمر مشين، ولهذا ينبغي التركيز على الإيجابيات، ولهذا حتى لو لم يكن للمسؤول إيجابيات في عمله فيمكن أن تثني على أخلاقه وتواضعه ومواظبته على الصلاة جماعة في المسجد، رغم يقينه أنه حتى لو أضاف لها الحج مشيا على الأقدام فإنها لن تنجز مشروعا متعثرا!

وعلى افتراض أن الصحافة سلطة رابعة، وأن صوت الصحفي يصل للمسؤول، فهل المطلوب منه أن يركز على كشف السلبيات لإصلاحها وتلافي عدم تكرارها في المستقبل، أم التركيز فقط على ما أُنجز والاحتفاء به، الإنجاز هو المطلوب،فإذا تم فهذا المفترض، أي إن الأمر طبيعي جدا، غير الطبيعي ألا يتم، هل أنا الآن أتكلم في بدهيات؟ أم إنني شخص سلبي؟

عن نفسي أنا متصالح جدا مع سلبيتي الحادة لأنني أؤمن أنها ستكون سببا في صناعة إيجابية حقيقية، وسأرفض توهم الإيجابية التي يمارسها الآخرون ببراءة.. براءة ربما!

Fheedal3deem@