عبدالله الأعرج

دكتوراه الرفوف!

الاحد - 23 سبتمبر 2018

Sun - 23 Sep 2018

قبل قرابة سبعة أعوام أخذت على نفسي عهدا أن أعرض نتائج رسالة الدكتوراه بعد الانتهاء منها على الجهة التي جمعت البيانات منها. وقبل ذلك وقعت عقدا مع نفسي أن أحول رسالة الدكتوراه إلى كتاب يدرس في أقسام اللغة الإنجليزية بالجامعات. وقبل هذا وذاك رسمت لنفسي حلما ورديا أن أجوب الجامعات والكليات ومراكز التدريب بالشركات النفطية والبتروكيميكلز لاستعراض رفع كفاءة الأكاديميين والتطبيقيين حول تدريس اللغة الإنجليزية لأغراض التقنية. ولم يتم هذا ولا ذاك وما بينهما إلى حينه!

لم يتم شيء من ذلك لأن الإحباط كان يتملكني عند أول محاولة لإخراج زكاة (ابنتي) أطروحة الدكتوراه في السيناريوهات الثلاثة المذكورة أعلاه.

كان الخط العام وأحسبه ما زال مستمرا هو أن الناشر لا يرغب دوما في تبني أي كتاب إلا إذا كان الكتاب مقررا دراسيا مفروضا من الجامعة أو الكلية على الطالب، مما يعني ربحا بينا منذ الدقيقة الأولى دون انتظار لينال الكتاب ثقة القارئ والمطالع أو أن (ينتظر نصيبه) في السوق. أيديولوجيا هزيلة جدا حينما تتحول الدراسات العلمية الرصينة عند الناشرين إلى كسب تجاري مجرد من أي عنصر آخر كنشر العلم وتنويع الثقافة واستجلاب الحديث والمعاصر. كل هذا لا يهم، ولا يجعل الناشر يبادر بتبني طباعة كتاب - كما كان يفعل - طالما أن الربح السريع والمضمون غير متوفر من الثانية الأولى!

وفي دهاليز الجامعة وأروقة الأقسام تلتهب الحروب الناعمة والخشنة حول أطروحاتك للدكتوراه حتى تشعر في لحظة ما أنك تصلح بين قبيلتين أو تبحث عن تسوية بين متخاصمين! فهنالك من يحتقر الأطروحة دون أن يقرأها، وهناك من يشكك في جدواها لأنها تتعارض مع طرحه، وثالث غاضب على الجامعة التي صدرت منها أو المشرف الذي قام عليها أو الطالب الذي حصل عليها! وحين تتشابك الحبال والنبال بين (بني أكاديميا) يظهر في الأقسام والمجالس العلمية ما يشبه (حملة الهمس whispering campaign) التي تسبق الانتخابات الأمريكية، والتي تهدف للعصف بالخصم فتذهب (ابنتك) شذر مذر لسبب لا تعرفه وذنب لم تقترفه، ويتوزع دمها بين المتخاصمين ثم تعود وحيدا فريدا تتجرع غصة الألم وتواسي نفسك بنفسك وتمسح دمعة ابنتك!

ثم يبلغ منك الصبر مبلغه فتصر على فتح باب ثالث لرسالتك العلمية فتسوق لها بنفسك وتزينها لوحدك وتؤتيها قلما ومتكأ، فلا تترك وسيلة إلا وأشهرتها فيها ولا موقعا إلا ووضعت عنها نبذة من خلاله، وتبادر بعرض إهداءات موقعة منها للأصحاب والمختصين والمنظمات العلمية وصناع القرار ومتخذيه، لينتهي بك الحال بعد كل هذا الجهد إلى بضع كلمات إطراء من أحدهم، وحفنة وعود مجاملة من ثان بتبني نشرها أو عرضها، تذهب كلها جفاء مع تقادم العهد وزوال المؤثر.

وحين تنتهي جميع هذه السيناريوهات الموغلة في الخيبة تدرك أن كل الحروف تشير إلى الرفوف! فمكان رسالتك ذلك اللوح الخشبي من السنديان الفاتح أو الماهاجنو القاتم أو الاستيل! نعم ستصطف ابنتك هنا مع البنات اللواتي سبقنها في الرحلة، وسيقضين سويا وقتا ممتعا تتناوب عليهن الفصول الأربعة، لا يعكر سباتهن سوى ذلك الرجل الطيب ينفض عن وجوههن الغبار مرة كل شهر أو شهرين عل طارقا يطرق بخير يأتي ذات صباح أو مساء يخطب إحداهن وينقلها من حبس الرفوف إلى أوائل الصفوف!