أحمد الهلالي

مؤشر الوطنية يتخطى النفعية!

الثلاثاء - 18 سبتمبر 2018

Tue - 18 Sep 2018

الوطن بالمعنى العام منزل الإقامة، والوطن الأصلي هو المكان الذي ولد به الإنسان، أو نشأ فيه. والوطن بالمعنى الخاص هو البيئة الروحية التي تتجه إليها عواطف الإنسان القومية. ويتميز الوطن عن الأمة والدولة بعامل وجداني خاص، وهو الارتباط بالأرض وتقديسها، لاشتمالها على قبور الأجداد. (المعجم الفلسفي2، جميل صليبا ص 580).

وقد تطور مفهوم الوطن حديثا ليكون «المساحة الكلية التي تمثلها دولة ما، لها حدود جغرافية وسياسية واضحة ومعروفة، وتعيش عليها مجموعة من الناس ذات تاريخ واحد ومصالح مشتركة». (شعرية الوطن ونشيد الشعراء، يوسف العارف، ص 24). بينما أرى الوطن في صورته العالمية الحديثة وحركة الناس بين الأوطان «فكرة إنسانية مثالية، تتمحور حول كفاءة الظروف المتفاعلة (الحقوق: الأمن والرخاء والمساواة والعدل) لتوليد شعور الذات بقيم (الواجبات: الاعتزاز والحب والانتماء والتضحية)».

ونحن في السعودية اليوم بعد صراع مرير، نلمس في الجيل الحالي معنى (الوطن والمواطنة الحقيقية)، فقد أوغلنا هجرة في (الأممية) وكدنا أن ننسى الوطن، لكن بحصافة المربي تنبه وزير المعارف آنذاك الدكتور محمد الرشيد ـ يرحمه الله ـ إلى حجم المشكلة، فاتخذ قرار تدريس مادة (الوطنية)، وواجه انتقادات واسعة، لكننا اليوم نشهد له بالفضل، وتنامت التنظيرات الفقهية (المحيرة) التي جعلت الاحتفاء باليوم الوطني رجسا من عمل الشيطان، وبعض تلك التنظيرات تتقبل المناسبة على مضض، ثم جاء قرار الدولة بأن يكون اليوم الوطني يوم إجازة رسمية، فقطع دابر الخلاف.

تلك الخطوتان المهمتان أنتجتا جيل اليوم، الجيل الذي لا ينظر إلى الوطن بمنظار الأجيال القديمة، بل نلمس ترسخ الوطنية بصفة أعمق فيه، نلمس ذلك من خلال كثير من الأمور، ليست الحمية أحدها، فالحمية الوطنية متأصلة في الجميع قديما وحديثا، بل نلمسها من خلال الأفعال الوطنية الحقيقية التي نشاهدها على أرض الواقع، فإن كانت الأجيال الأولى تنظر إلى الوطن على أنه الدولة التي تعطي المال والمكرمات الملكية، فإن جيل اليوم ينظر إلى الوطن نظرة وجدانية عميقة، نظرة حرص على صورة الوطن ناصعة كريمة، والسعي الحثيث للتفوق على الأوطان الأخرى في مضمار المنافسة الشريفة التي تظهر في أفعالهم حقيقة جلية لا غبار عليها، وهذا القول لا ينسحب على من يتخذون العنصرية ـ أيا كانت ـ مضمارا للمنافسة والمقارنة.

جيل اليوم متطوع مبادر، لم يعتبر مؤشرات البطالة وقلة الفرص (عقوقا وطنيا)، ولا يضع مؤشرا (نفعيا) لوطنيته، إن أعطي ارتفع وإن لم يعط انخفض، جيل تجده (شبابا وشابات) ينزعون إلى خدمة الوطن بلا مقابل، ويستغلون التقنية أفضل استغلال لنشر الوعي بمقدرات الوطن، وقيمة إنسانه، في الداخل والخارج، وهذه هي الثمار التي نحصدها من التوجه الواعي نحو الوطنية المسؤولة، والمواطنة بمعناها المطلق الذي لا تقيده النفعية، ولا تشوبه النعرات.

ولأن وطننا يختلف عن الأوطان الأخرى في عمقيه العربي والإسلامي، وقد قال عن هذه الخصوصية عميد الأدب العربي طه حسين في مؤتمر اللجنة الثقافية للجامعة العربية 1955م بجدة «إن لكل مسلم وطنين لا يستطيع أن يشك في ذلك شكا قويا أو ضعيفا، وطنه الذي نشأ فيه وهذا الوطن المقدس (مهبط الوحي) الذي أنشا أمته وكون عقله وقلبه وذوقه وعواطفه جميعا، هذا الوطن المقدس الذي هداه إلى الهدى ويسره إلى الخير، والذي عرفه نفسه وجعله عضوا صالحا مصلحا في هذا العالم الذي نعيش فيه».

لذلك أجد من المناسب إتاحة الفرصة للمقيمين على ثرى هذه البلاد لأن يعبروا عن مشاعرهم الوطنية تجاه وطنهم كما يعبر السعوديون تماما، سواء أكانوا المولودين على ثراه، أم من وفدوا للعمل فيه، وهذه الخصوصية ـ في نظري ـ عميقة في وجدان العربي والمسلم، فقد رصدت في بحث بعنوان «السعودية في وجدان الشاعر العربي» كمّا من القصائد التي عبر بها شعراء مولودون أو مقيمون أو محبون لهذه البلاد، تدور كلها في فلك الانتماء والمحبة واعتبار هذه البلاد وطنا لهم.

أخيرا، نحن في أمس الحاجة لأن يكون (يومنا الوطني البهيج) فوق احتفاءاتنا بذكراه المجيدة، يوما للمكاشفة وعرض المؤشرات الوطنية في شتى المجالات والاتجاهات، ونقطة انطلاق لنا جميعا لبناء مؤشرات الذكرى القادمة بحماسة وابتهاج، وكل عام وأنتم والوطن والقيادة الرشيدة في ازدهار وسعادة وأمن وسلام.

ahmad_helali@