زهير ياسين آل طه

الابتكارات الاقتصادية غاية وجودة وحياة وعناية

الأربعاء - 05 سبتمبر 2018

Wed - 05 Sep 2018

ارتبط خروج ما يسمى بظاهرة أو فرضية المحافظة الواضحة Conspicuous Conservation بتعالي المفهوم القديم للاستهلاك الخرافي البارز عند الأغنياء Conspicuous Consumption الذي تحدث عنه عالم الاجتماع والاقتصادي النرويجي-الأمريكي ثوروستاين فيبلين عام 1899 في كتابه «نظرية الطبقة الترفيهية المخملية The Theory of the Leisure Class»، ومتجددا ظهورها الحديث مع تصاعد وتيرة المسؤولية الاجتماعية للفرد والمجتمع ومع ترسيخ ثقافة الاستهلاك الاقتصادي النظيف، وتحديدا في الحفاظ على البيئة من منظور استدامة الأرض والحياة.

وتعطي هذه الظاهرة إشارات واضحة لأهمية استخدام واستغلال التكنولوجيا لإنتاج ابتكارات اقتصاديةFrugal Innovations صديقة للبيئة ذات جودة عالية ورخيصة أيضا، وقد أصبحت في المجتمعات الناضجة مطلبا حيويا للمستهلك الواعي الذي يتبنى ثقافة العناية والمحافظة على المصادر الحيوية، وعلامة فارقة تنافسية تجارية للمنتجين للتسويق وللمستهلكين لاختيار المنتج المستدام والموثوق بمعايير الجودة والاستدامة العالمية، وصورة إنسانية لتجاوز كثير من المصالح الذاتية والسياسية أيضا نحو مصلحة بقاء الكون مستقرا بيئيا، والذي بدأ يعاني في السنوات الأخيرة من ارتفاع كبير وملحوظ في درجات الحرارة لمناطق باردة، فأوروبا مثلا لم تشهد من قبل اشتدادا حراريا مخيفا، قد ينذر بتفاقم الوضع سلبا في السنوات القادمة على معدلات الاحتباس الحراري العالمي جراء السعي اضطراريا لاستهلاك مضاعف للطاقة وإنتاجها في التبريد وانبعاثات كربونية محتملة من حرائق الغابات الخارجة عن السيطرة، بما يخالف خطط واستراتيجيات كثير من دول العالم، ومنها الدول الأوروبية انطلاقا من عام 2020 نحو 2050 بالنسبة لخفض انبعاثات الكربون.

وقد لعبت حديثا ابتكارات صناعة الطاقة الشمسية والسيارات الذكية دورا في تنامي إيجابي لتطبيق ظاهرة المحافظة بشكل واسع في أمريكا في بداية القرن الـ 21، وكان لشركة تويوتا السبق في التطبيق والتأثير الإيجابي الأبرز من خلال إنتاج سيارات بريوس الهجينة الاقتصادية الذكية بين الوقود والكهرباء Prius وانتشارها وتفردها التقني أمام المنافسين لها منذ 2001، لتخلق لها فرضية أو ظاهرة جديدة يشار إليها بالتأثير والبنان والمقارنة والدعم في الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والتحليلية لردات الفعل والوقت للمستهلك «Prius Effect»، ودافعا ومشجعا لبناء السمعة والموثوقية للمنتج وللمستهلك الواعي لاقتناء المنتجات المستدامة وبأسعار أعلى طواعية وبحسن نية، وموجهة المجتمع تدريجيا لثقافة المحافظة وتقليل استهلاك الوقود.

في المقابل ومن الجانب السلبي من عدم تطبيق ظاهرة المحافظة كما تشير إليه بعض الأبحاث والدراسات العلمية والتحليلية، لا يزال موضوع الاستغلال الأخلاقي والبيئي والاتجار بالبشر في العمالة المستضعفة والطفولة في التصنيع للمنتجات الاستهلاكية التقليدية كالملابس وما شابهها محل جدل نسبي للبعض من المستهلكين العابرين الذين لا يهمهم كثيرا التعمق في المصادر والاطلاع على مواقع المنتجين وتعهداتهم، لكن المنتج الذكي الاستراتيجي عليه أن يعطي عناية للإنتاج الأخلاقي بالتوازي مع الاجتماعي البيئي ويروج له لبناء سمعة وموثوقية قوية، قد يأتي عليها يوما ما قريبا تكون مصدرا تسويقيا قويا لمعيار استدامة عالمي تفرضه القوانين العالمية بشكل واضح وصريح.

من الجدير ذكره والتفكير به وتبنيه أنه قد يكون لهذه الظاهرة نصيب استثماري حيوي في نضج وفهم وتعميق وعي وارتباط الإنسان والعامل والمسؤول في العالم العربي والخليجي بالأرض، ليس فقط من جانب العناية والمحافظة فحسب، بل مرادفا لغاية الإنتاج الابتكاري الاقتصادي والاستراتيجيات الموجهة للتنمية والمسؤوليات الاجتماعية للمنشآت المنتجة الصناعية والبترولية والبتروكيماوية، والتي عليها أن تعتني بما حولها بيئيا وتراقب بعمق وبإخلاص برامجها للاستدامة وتعلن ما لديها من تقارير وتطلعات ومشاريع وتحديات كما تفعل شركة سابك سنويا كمثال حي تكاملي عملي من أجل محو الضبابية التي لا يفهم غيرها الإنسان البسيط في الشارع الاجتماعي، بل لربما يتم النظر في أن تشمل مؤشرات جودة الحياة ظاهرة المحافظة والعناية والصحة والغذاء والمياه والتربة التي تتأثر من تبعات الصناعة وإدراجها في السلك التعليمي والأكاديمي والتوعوي المجتمعي، ورفع سقف التمثيل الوظيفي التخصصي والاستشاري لهذه الظاهرة في المنشآت الحكومية والخاصة بمسميات جديدة وتخصصات مستحدثة تحت مظلة جودة الحياة النظيفة القابلة للعيش.