فهيد العديم

الصحوة في هيئتها العصرية!

الأربعاء - 29 أغسطس 2018

Wed - 29 Aug 2018

أخذت عهدا على نفسي من قبل ألا أكتب عن «الصحوة» لأسباب كثيرة، ليس أقلها أن «الضرب في الميت حرام»، وبعيدا عن هذه المقولة المشاكسة التي توحي وكأن ضرب الأحياء سنة مؤكدة، المهم أنني الآن مضطر أن أعتذر مرتين، مرة لأني نكثت بوعدي وعدت للكتابة عن هذا الموضوع، ومرة أخرى أعتذر لأنني اعتقدت أن الصحوة ماتت فعلا، ولهذا أعترف أنها خدعتني وهي بأوج عطائها وتجليها، وخدعتني وهو تدعي الموت، وقد يخدع المؤمن من حبر مرتين!

ومن هنا أجدني مضطرا لطرح السؤال التالي: هل خفتت الصحوة أم ماتت أم ماذا؟ وللإجابة عن هذا السؤال فإنني أستبعد خفوتها وموتها، وأنحاز كثيرا لخيار «ماذا!»، فالصحوة بعد خبرة هذه العقود الطويلة والثقيلة أصبحت تجيد الكر والفر وتختار لحظة الانطلاق كما تختار وقت الانسحاب التكتيكي، كل ما في الأمر أنها غيرت من هيئتها وأدواتها فأصبحت الآن بهيئة عصرية وتسريحة شعر توحي بأناقة لافتة، وتسمع الموسيقى «في غير أوقات الآذان»، وترتدي ملابس (كاجوال) لا تترك فرصة لتحديد ملامستها للكعبين، ما أود قوله إن الصحوة ليست تدينا مثلما أنها ليست وطنية الآن، هي في الحقيقة سلوك يبدو أنه متغلغل في جيناتنا أو جينات بعضنا (كي لا تغضب شلة لا تعمم)، هذا السلوك لا أدري ماذا يسميه علماء النفس، لكنه على أي حال شعور الإنسان أنه مسؤول مسؤولية كاملة عن تصرفات جميع بني آدم، بل حتى غير بني آدم من المخلوقات الأخرى، ويرى أن من واجبه أن يقرر للكل كيف يعيشون ويتنفسون ويغنون و(النون وما يعلمون)، وهنا يقفز سؤال متباهيا بمنطقيته وبثقة مطلقة: وهل على الناس أن يرضخوا لكل ما يقول؟

هنا تحديدا نستطيع أن نصل لماهية الصحوة وفلسفتها، ففي عقود مضت كانت محاولة التمرد على أولئك الذين يعتقدون أنهم مسؤولون أمام الله بإدخالك الجنة تعتبر مصادمة للدين، وبعد تحول الصحوة (للوك الجديد) أصبح التكتيك أن أي مصادمة لنفس الأشخاص تعد خروجا على الوطنية وضد الوطن، المفارقة أن نفس الأشخاص تقريبا (تحولوا) في الشكل أو المظهر لكن بنفس الفكر الإقصائي القائم على الترهيب الفكري، والأداة واحدة وهي التأليب على كل من يخرج عن ولايتهم أو وصايتهم الفكرية، والتأليب سواء للمجتمع أو السلطة بصفتك خارجا عن الوطنية - حسب فهمهم لها - نفس طريقتهم القديمة عندما يؤلبون ضدك باعتبارك خارجا عن الدين، الآن طوعوا التقنية لخدمتهم، فلو عارضت أحدهم (بثوبه الجديد) في تويتر - على سبيل المثال - فإنك ستجد نفسك أمام جيش الكتروني محترف ينبش تاريخك، وحتى لو كان ذلك التاريخ أخضر زاهيا فإنه قادر على تحويله إلى سواد حالك، وبعدها إما تتروض أو (انتهت مساحة المقال).

Fheedal3deem@