فهيد العديم

الصحافة الورقية.. الصحافة أم الورق؟!

الأربعاء - 22 أغسطس 2018

Wed - 22 Aug 2018

طرأت على الإنسان فكرة استخدام مادة صالحة للرسم والكتابة، فبدأ الإنسان البدائي ينقش أشكالا ورموزا على الخشب أو على الصخر في الكهوف والمغارات القديمة، ثم كتب على أوراق الأشجار والعظام، ثم على صفائح من المعادن، حتى اكتشف المصريون أوراق البردي، هنا تحديدا سأتوقف لأطرح سؤالا افتراضيا: هل من المنطقي أن نتخلى عن لحاء نبات البردي، ولا سيما وهو الذي حفظ الكثير من معارفنا وحضارتنا؟

هذا ما يجري هذه الأيام من نقاشات حول مصير (الصحافة الورقية)، وإن كنت أرى أن إضافة الورق للصحافة ما هي إلا حيلة لاستدرار التعاطف في محاولة ربط الورق بالصحافة، النقاش ينبغي أن يدور حول الورق وحده، ولهذا يكون الحديث أدق لو كان عن موت المطابع الورقية، وهذا لا يعني بالضرورة موت الكتاب أو الصحيفة، كل ما في الأمر أن الورق أصبح هو لحاء البردي في زمن مضى، ومحاولة إيقاف الزمن أو مجاراته بأدوات لزمن مضى هي محاولة عبثية خاسرة، والغريب أن الاحتجاج أتى من الصحافة تحديدا، وليس من دور نشر الكتب أو حتى من مصانع الورق، بل حتى المدارس والجامعات بما تحمله من رمزية للعلم بدأت تتخلص من الورق أو على الأقل تأمل أن تحتفل بالخلاص منه، لكن الغرابة في أن الصحافة التي من المفترض أن تكون أكثر تفهما، وأكثر قدرة على استيعاب التطور تبدو مرتبكة من أن تفقد الورق كأداة اتصالية بينها وبين القارئ، ولنفترض أنها فعلا استطاعت أن تبقي الورق يدور يوميا برحى مطابعها، فهل هي واثقة أن القارئ الذي اعتاد على لمس الورق ويشعر نحوه بالحميمية هو فقط القارئ المستهدف للصحيفة؟ ولا سيما ونحن في دولة 80% من عدد السكان فيها أعمارهم تحت 40 سنة (رؤساء التحرير كلهم خارج هذه النسبة)، الأمر الآخر هو توفر منصات - أو لنقل أدوات كثيرة - يمكن للصحف أن تصل للقارئ من خلالها بسهولة، وربما بتكلفة أقل كثيرا من تكلفة الورق، فالآن لم يعد المتلقي يبحث عن الخبر، بل أصبحت الأخبار تطارد المتلقي، ودور الإعلام الآن هو أن يصل - هو - للناس، ولا ينتظر أن يأتوا إليه، المتلقي الآن إن أراد الخبر يجده متى شاء من خلال وكالات الأنباء مباشرة، أو حتى من خلال التلفزيون الذي (فهم اللعبة) وخصص قنوات مباشرة لأي حدث، وفهم أن نجاحه مرتبط بـ (ضغطة زر الريموت للمتلقي)، ومع ذلك تعتقد الصحف أن هذا المتلقي سينتظر حتى الغد ليقرأ هذه الأحداث! فإن كان ثمة تراجع في الصحافة فعليهم أن يبحثوا عن السبب، لكن بعيدا عن مشجب الورق، والأمر ذاته ينطبق على الإعلان، فالمعلن سيذهب مباشرة لأحد مشاهير السوشال ميديا، إذ يخاطب شريحة أكثر بتكلفة أقل، ولن يدفع مبلغا مضاعفا ليعلن عبر الراديو!

@Fheedal3deem