خالد العماري

هاجر وهاكاثون الحج!

الاحد - 05 أغسطس 2018

Sun - 05 Aug 2018

مع الرغبة الملحة هذه الأيام في التجديد والتطوير والابتكار المتعلق بخدمة ضيوف الرحمن وتحسين تجربة الحج والعمرة والزيارة، بحثت هذا الصباح في قوقل عن مفردتين مقترنتين «هاجر ومكة» لأقرأ حضور ذكرى سيدة مكة الأولى في فضائنا الثقافي والمعرفي المحلي قبل أن نفكر في تقديم ذلك للعالم. وهنا كانت الصدمة!

طليعة النتائج المرتبطة باسم «هاجر» هي للدلالة على سلسلة من الخدمات الفندقية التي سميت باسمها، أبراج وغرف نوم وخدمات فندقية ليس لها من «هاجر» إلا الاسم!

بل لم يقطع هذه السلسلة التجارية إلا ويكيبيديا مشكورة في تذكيرنا بمن هي أمنا هاجر!

هل هذا بالفعل ما تبقى أيها السيدات والسادة في ذاكرة هذه البلدة عن سيدتها الأولى؟!

الذاكرة العالمية تحتفي بسميراميس وكليوباترا والملكة فيكتوريا والملكة إليزابيث ومارجريت ثاتشر وأوبرا وينفري وغيرهن كثير لأنهن موجودات في هذا العالم الافتراضي في شكل محتوى معرفي وذكرى رمزية مدهشة.

وهاجر عليها السلام مدهشة، وقصتها غاية في الدهشة في كل فصولها، وفي كل مرة أقرأ قصتها أجدها ملهمة ليس للمرأة فحسب، بل لجميع الناس.

هاجر زهرة اللوتس المصرية، هاجر خليل الرحمن، هاجر قصة مكة، هاجر إسماعيل، هاجر زمزم، هاجر الصفا والمروة، هاجر العرب، هاجر الوالدية، هاجر الوفاء، هاجر الرحم.

قصة أمنا هاجر عليها السلام قصة صحيحة وردت في الكتاب المقدس وأشار إليها القرآن الكريم، وجاء صلبها في صحيح حديث رسول الله الطويل، وتناولتها كتب السنة والتاريخ والمرويات وتاريخ مكة بتفاصيل يصعب حصرها.

وكما رفع الخليل عليه السلام القواعد من البيت، فإن أمنا هاجر عليها السلام قد رفعت قواعد الأمومة ورعاية الطفولة والتنشئة الإيمانية والجوار الحسن في بيت الخليل وأمام كعبة الرحمن عز وجل، لتكون حاضرة في ذهن التاريخ، وباقية في خلد العالمين، كلما نظروا لهذه البقعة المقدسة، وكلما تذكروا قصة مكة الإنسان والمكان.

جميل جدا بل واجب أن نطور الخدمات المادية والبنى التحتية واللوجستية، لكن الأجمل أن نضع التجربة الروحية والمعرفية في قلب الاهتمام من الرحلة المكية وفي كل ما يقدم لضيوف الرحمن.

لا يمكن بحال أن نقفز على القيمة الحقيقية للمكان والحدث والتاريخ والعمق والانتماء؟!

هاكاثون الحج نجح في طريقة التفكير وفي عالم الأفكار أولا وقبل كل شيء، الأفكار التي تسبح في فضاء المحكمات المفهومية والحقائق التاريخية والقيم المركزية والتجارب المدهشة، بل قيمة الفكرة في هذا العالم هي بوفائها لمكانها وزمانها وحالها وإنسانها، والمكان مكة، والزمان الحج، والحال ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله، والإنسان إبراهيم عليه السلام والذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا.

الفضاء السيبراني في شقه المادي مخدوم عالميا وبشكل مذهل، وواجبنا أن نفتح المجال في مثل هذا الهاكاثون ونطور القدرات المحلية، لكن هذا الفضاء في شقه المعرفي مفتقر للعمق العربي والإسلامي ولتجليات هذا العمق في العالم هدى ونورا ومعرفة وحبا للخير والسلام والإسلام واحتفاء بالتجارب والرموز المدهشة.

حق لهاجر أن نحدث العالم عنها حديثا لا يمل، وألا نختزلها في طبقة دون طبقة، ولا في حال دون آخر، بل نحدث الجميع عنها وفي كل حال، نحدث بنات الملوك عنها والضعفاء والخدم والأزواج والمهاجرين والمنقطعين والأطفال والحجاج والعمار والمتضلعين بماء زمزم والسعاة بين الصفا والمروة.

وقد تفطنت التركية نورية تشالاغان لشيء من هذا البعد الروحي والمعرفي في قصة هذه السيدة المدهشة وسطرتها في روايتها «عشق السكون.. كل امرأة هاجر».

حري بنا أن نحتفي بهاجر تاريخا وسيرة، وأن نترجم الصلة بها معرفة معاصرة وأسوة حسنة في كل الميادين، وأظن أن ما صنعته حفيدات هاجر الفائزات بالمركز الأول وجميع المشاركات في هاكاثون الحج هو من الوفاء لهذا المكان ولإنسانه.

@ammarikh