BBC تعيد فتح قضية فدية المليار دولار وفضيحة الحقائب السوداء

يظهر التقرير العلاقة بين حكومة الدوحة والمنظمات الإرهابية
يظهر التقرير العلاقة بين حكومة الدوحة والمنظمات الإرهابية

الثلاثاء - 17 يوليو 2018

Tue - 17 Jul 2018

نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تقريرا باللغة الإنجليزية تعود تفاصيله لنهاية عام 2015 ، يظهر العلاقة بين حكومة الدوحة والمنظمات الإرهابية في المنطقة، على خلفية خطف 28 عضوا من مجموعة صيد أفرادها أمراء قطريون.

وجاء في التقرير أنه في صباح السادس عشر من ديسمبر 2015 تلقت الأسرة الحاكمة في قطر خبرا سيئا: اُختطف في العراق ثمانية وعشرون عضوا من مجموعة صيد أفرادها أمراء.

وزُود الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني – والذي كان على وشك أن يصبح وزير الخارجية لقطر – بقائمة تتضمن أسماء الرهائن. وأدرك حينئذ أن القائمة تضم اثنين من أقاربه.

وأرسل رسالة إلى السفير القطري لدى العراق زايد الخيارين، جاء في فحواها أن "جاسم ابن عمي وخالد زوج خالتي. حفظك الله، عند تلقيك أي خبر عن ذلك؛ أخبرني على الفور".

لقد قضى الرجلان الستة عشر شهرا التالية منشغلين بأزمة الرهائن.

وطبقا لإحدى روايات تسلسل الأحداث، فقد دفعا أكثر من مليار دولار لتحرير أولئك الرجال، حيث ذهبت الأموال لجماعات وأفراد صنفتهم الولايات المتحدة على أنهم "إرهابيون": كتائب حزب الله في العراق، والتي قتلت جنودا أمريكيين بقنابل وضعت على جانب الطريق، والجنرال قاسم سليماني، وهو قائد قوات الحرس الثوري والخاضع شخصيا لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهيئة تحرير الشام، والتي كانت في فترة من الفترات تعرف بجبهة النصرة، عندما كانت تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.

وطبقا لرواية أخرى للأحداث – وهي رواية قطر – فإنه لم يتم دفع أي مبلغ مالي لـ "الإرهابيين"، بل دفعت الأموال فقط لدولة العراق.

ووفقا لهذه الرواية، لا تزال الأموال موجودة في قبو بنك العراق المركزي في بغداد، على الرغم من أن جميع الرهائن موجودون الآن في وطنهم. وتظهر هذه القصة الملتوية تفاصيل المفاوضات بشكل متسلسل على هيئة رسائل اعتيادية وصوتية بين وزير الخارجية والسفير "السفير القطري لدى العراق".

والآن، هل دفعت قطر أغلى فدية في التاريخ؟

إن الشيخ محمد خبير اقتصادي سابق وأحد أقارب الأمير البعيدين، ولم يكن معروفا قبل ترقيته ليصبح وزيرا للخارجية في سن صغيرة نسبيا (35 عاما).

وفي فترة وقوع حالة الاختطاف كان السفير زايد الخيارين في الخمسينات من عمره، وقيل إنه يحمل رتبة عقيد في المخابرات القطرية، وكان أول مبعوث قطري إلى العراق منذ 27 عاما، غير أن هذا المنصب لم يكن منصبا مهما. وكانت هذه الأزمة فرصة بالنسبة له لتحسين مكانته.

لقد ذهب الرهائن إلى العراق بحثا عن الصقور، وتلقوا تحذيرات – ومناشدات – بعدم الذهاب إلى تلك البلاد، بيد أن رياضة صيد الصقور هي رياضة الملوك في الخليج، وكان هناك سرب من الطيور التي تعد فريسة للصقور – وهي الحبارى – في الأراضي الشاسعة الفارغة في جنوب العراق. وتم اجتياح معسكر الصيادين بواسطة شاحنات صغيرة محملة ببنادق رشاشة ثقيلة في ساعات الصباح الباكر.

وأخبر أحد الرهائن صحيفة نيويورك تايمز أنه اعتقد أن الخاطفين كانوا ينتمون إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" – وهي جماعة جهادية سنية – قبل أن يوجه أحد الخاطفين إساءة شيعية إلى السنة. وعلى مدى أسابيع عدة مؤلمة لم يصل الحكومة القطرية أي أخبار، ولكن في شهر مارس عام 2016 بدأت الأمور تتضح، فقد علم المسؤولون أن الخاطفين كانوا ينتمون إلى كتائب حزب الله ، وهي ميليشيات عراقية شيعية مدعومة إيرانيا.

وأرادت الجماعة "كتائب حزب الله" الحصول على المال. وحينئذ أرسل السفير زايد الخيارين رسالة إلى الشيخ محمد مفادها "لقد أخبرتهم بأن يعيدوا لنا أربعة عشر شخصا... وسنعطيكم نصف القيمة". ولم يتضح مقدار "القيمة" في سجلات الهاتف حتى تلك الفترة.

وبعد مرور خمسة أيام عرضت الجماعة إطلاق سراح ثلاثة رهائن، وأرسل السفير رسالة إلى الوزير قال فيها "إنهم يريدون بادرة حسنة من جانبنا أيضا. هذه علامة جيدة بالنسبة لنا... علامة تدل على أنهم في عجلة من أمرهم ويريدون إنهاء كل شيء في أقرب وقت".

وبعد ذلك بيومين كان السفير موجودا في المنطقة الخضراء في بغداد، وهي جزء من المدينة محاطة بالأسوار المنيعة وشديدة الحراسة، حيث تقع الحكومة العراقية والسفارات الأجنبية.

لقد كانت الأجواء في العراق في شهر مارس متوترة بالفعل، وبدا الجو العام في المنطقة الخضراء مشحونا على وجه الخصوص، فقد كان مؤيدو رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر واقفين على الأبواب، حيث كانوا يحتجون على الفساد. وقال السفير إن موظفي بعض السفارات قد فروا. وخلق ذلك توترات على طاولة المفاوضات.

انتظر زايد الخيارين، لكن لم تكن هناك أي إشارة على إطلاق السراح الموعود. وكتب "هذه هي المرة الثالثة التي آتي فيها إلى بغداد من أجل قضية الرهائن، ولم أشعر قط بمثل هذا القدر من الإحباط. ولم أشعر قط بمثل هذا القدر من التوتر والقلق. لا أريد مغادرة البلاد دون وجود الرهائن معي".

وبعد ذلك ظهر الخاطفون ولكن لم يكن الرهائن بصحبتهم، بل كان معهم ذاكرة "USB" تحتوي على مقطع فيديو لأسير محتجز داخل حبس انفرادي.

ووجه الشيخ محمد سؤالا للسفير، قائلا "ما الذي يضمن لنا أن بقية الرهائن معهم؟". وأضاف "قم بحذف الفيديو من هاتفك... وتأكد من عدم تسريبه لأي شخص".

وصادق السيد الخيارين على كلام الشيخ، قائلا "لا نريد أن تشاهد عائلاتهم الفيديو ويتأثرون عاطفيا".

وقد تم فصل الرهائن بعضهم عن بعض، حيث وضع الأمراء في قبو لا نوافذ له، وتم أخذ أصدقائهم وغيرهم من المواطنين العاديين وغير القطريين من بين مجموعة الصيد إلى أماكن أخرى ومعاملتهم بشكل أفضل وتقديم طعام جيد لهم.

وقد أخبرني مسؤول قطري أن الأمراء قد ينقلون من مكان إلى آخر – أحيانا كل يومين إلى ثلاثة أيام – ولكن دائما ما يتم احتجازهم في مكان ما تحت سطح الأرض، وكان بحوزتهم مصحف واحد فقط يتبادلونه لقراءة القرآن.

وعلى مر الأشهر الستة عشر التي قضاها الرهائن في الأسر لم يكن لديهم أي فكرة عما يحدث في العالم الخارجي.

إذا كان المال هو الحل لهذه المشكلة، فإن القطريين يملكونه، ولكن الرسائل النصية والصوتية تظهر أن الخاطفين أضافوا إلى مطالبهم وغيروها، ما بين شد وجذب: يجب على قطر أن تغادر التحالف الذي تقوده السعودية لقتال المتمردين الشيعة في اليمن. كما يجب على قطر تأمين إطلاق سراح الجنود الإيرانيين المحتجزين من قبل المتمردين في سوريا. ومن ثم أصبح الهدف هو المال من جديد، وفضلا عن الفدية الرئيسة، أراد قادة الميليشيات مبالغ جانبية لهم.

وفي حين انقضت واحدة من جلسات النقاش، تبين أن أحد مفاوضي كتائب حزب الله، أبومحمد، أخذ السفير جانبا وطلب مبلغ 10 ملايين دولار (أي ما يعادل 7.6 ملايين جنيه إسترليني) لنفسه.

وقال السفير في رسالة بالبريد الصوتي "طرح أبو محمد سؤالا: ما فائدتي من ذلك؟ بصراحة أريد 10 ملايين دولار". "قلت له: 10 ملايين؟ لن أعطيك 10، إلا إذا سلمتني جميع الرهائن ...". "لتحفيزه، أخبرته أيضا أنني على استعداد لأن أشتري له شقة في لبنان".

واستعان السفير باثنين من الوسطاء العراقيين، وكلاهما كان من الطائفة السنية، وزارا وزير الخارجية القطري وطلبا منه مقدما أن يعطيهما "هدايا": 150,000 دولار نقدا وخمس ساعات من ماركة رولكس، "اثنتين منها من أغلى الأثمان، وثلاث من جودة عادية". ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الهدايا للوسيطين أنفسهما، أم كانت بهدف دهن سير الخاطفين أثناء استمرار المحادثات.

وفي شهر أبريل عام 2016 أضيف للسجلات الهاتفية اسم جديد: قاسم سليماني، وهو الراعي الإيراني لكتائب حزب الله.

وبحلول هذا الوقت بدا أن طلب الفدية وصل إلى مبلغ مذهل يبلغ مليار دولار. ومع ذلك، فإن الخاطفين صمدوا وطالبوا بالمزيد. وأرسل السفير رسالة إلى وزير الخارجية قال فيها "لقد التقى سليماني بالخاطفين مساء أمس وضغط عليهم من أجل قبول المليار دولار. لم يستجيبوا بسبب وضعهم المالي... سليماني سيعود".

وأشار السفير مرة أخرى إلى أن الجنرال الإيراني كان "منزعجا للغاية" من الاختطاف، حيث قال للشيخ محمد "إنهم يريدون استنفادنا وإجبارنا على قبول مطالبهم على الفور. نحن بحاجة إلى التزام الهدوء وعدم التسرع، لكن يجب أن تكونوا مستعدين لدفع الثمن". فأجاب الوزير: "الله يعين!".

مرت أشهر، ثم في شهر نوفمبر من عام 2016 دخل عنصر جديد في المفاوضات. أراد الجنرال سليماني من قطر المساعدة في تنفيذ ما يسمى "اتفاق المدن الأربع" في سوريا.

في ذلك الوقت كانت الحكومة السورية المدعومة من إيران تحاصر مدينتين سنيتين يسيطر عليهما الثوار. وفي تلك الأثناء كانت هناك قريتان شيعيتان مواليتان للحكومة تحت الحصار من قبل الثوار السلفيين الذين كانت قطر تدعمهم على ما يبدو. (قيل إن من ضمن الثوار أعضاء من جبهة النصرة سابقا). وبموجب الاتفاق سيتم رفع حصار المدن الأربع وإجلاء سكانها.

ووفقا للسفير، قال الجنرال سليماني لـ "كتائب حزب الله" إنه إذا تم إنقاذ الشيعة بسبب اتفاق المدن الأربع، فسيكون من "المخزي" المطالبة برشاوى شخصية.

وقال السفير في رسالة لوزير الخارجية "حزب الله في لبنان وكتائب حزب الله في العراق كلهم يريدون المال، وهذه هي فرصتهم. إنهم يستغلون هذا الوضع للاستفادة منه... خاصة أنهم يعلمون أنها تقريبا النهاية... كلهم لصوص".

آخر ذكر لتبادل فدية بقيمة مليار دولار كان في شهر يناير 2017، جنبا إلى جنب مع رقم آخر – 150 مليون دولار.

تعتقد المصادر الحكومية التي أعطتنا هذه المادة أن المحادثات بين الشيخ محمد والسيد الخيارين كانت حول فدية بمليار دولار، بالإضافة إلى 150 مليون دولار كمدفوعات جانبية، أو "عمولات"، لكن النصوص غامضة. قد تكون صفقة المدن الأربع هي ما كان مطلوبا لتحرير الرهائن، بالإضافة إلى 150 مليون دولار من المدفوعات الشخصية للخاطفين.

علما أن المسؤولين القطريين يقرون بأن النصوص ورسائل البريد الصوتي حقيقية.

انتهت أزمة الرهائن في أبريل 2017. وقد حلقت طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية إلى بغداد لنقل الأموال واستعادة الرهائن. هذا ما أكده مسؤولون قطريون، رغم أن الخطوط الجوية القطرية نفسها امتنعت عن التعليق.

قطر في نزاع قانوني مع جيرانها حول حقوق التحليق في الأجواء. إن مسألة ما إذا كان سيكون لاستخدام الناقل الوطني لهذه الدولة "الإمارة" في سداد المدفوعات لـ "الإرهابيين" تأثير على القضية – ومن المفترض أنها هي أحد أسباب تسريب هذه المادة لنا.

من الذي أدخل الأموال النقدية إلى بغداد - وكم كان المبلغ؟ يؤكد مصدرنا الأصلي - الحكومة المعارضة لقطر - أنه كان أكثر من مليار دولار، بالإضافة إلى 150 مليون دولار من الرشاوى، والكثير منها موجه إلى كتائب حزب الله.

وفي الرسائل النصية، كان ضابط المخابرات القطري، جاسم بن فهد آل ثاني – الذي يفترض أنه عضو في الأسرة المالكة – حاضرا على أرض الواقع.

أولا، لقد نقلت "46 حافلة" الناس من المدينتين السنيتين في سوريا. وكتب جاسم بن فهد في رسالة نصية " لقد أخرجنا 5000 شخص على مدى يومين. والآن نحن بصدد إخراج 3000 شخص... لا نريد حدوث أي تفجيرات".

وبعد بضعة أيام تم إخلاء المدن الشيعية. وقد أرسل الشيخ محمد رسالة نصية مفادها أن "3000 شخص شيعي تم احتجازهم في موقع التسليم... عندما نرى الرهائن، سنجعل الحافلات تتحرك".

وقد رد السفير أن الجانب الآخر كان قلقا. "إنهم يشعرون بالهلع. لقد قالوا إنه إذا أشرقت الشمس دون مغادرة الشيعة فإنهم سيحجزون الرهائن".

وفي 21 أبريل 2017 تم إطلاق سراح الرهائن القطريين. لقد كانوا جميعهم "على ما يرام"، حسبما ذكر السفير، لكنهم "فقدوا نصف أوزانهم تقريبا". لقد قام السفير بالترتيب لكي تقلهم طائرة إلى منازلهم ليتسنى لهم أكل "البرياني والكبسة... إن هؤلاء الرجال يفتقدون هذا الطعام".

وتقول مصادر الرسائل النصية ورسائل البريد الصوتي – مسؤولون في حكومة معادية لقطر – إن المواد تظهر أن "قطر أرسلت أموالا إلى الإرهابيين".

وتشير المصادر إلى بريد صوتي من السفير الخيارين، حيث يصف في هذا البريد الصوتي إخباره لكتائب حزب الله "يجب أن تثقوا بقطر، وأنتم تعلمون ما فعلته قطر وما فعله صاحب السمو، والد الأمير.. لقد فعل أشياء كثيرة، ودفع 50 مليونا، ووفر البنية التحتية للجنوب، وكان أول من زاره".

وتؤكد مصادرنا أن هذا يبين أنه مبلغ مالي تاريخي، في ظل الأمير القديم، بقيمة تبلغ 50 مليون دولار إلى كتائب حزب الله.

ويقول المسؤولون القطريون إن هذا يظهر الدعم للشيعة بشكل عام.

ستعتمد مسألة مقاطعة قطر على من سيفوز بإقامة الحجة على الآخر حول "تمويل الإرهاب".

وفي الوقت الحالي لم يتم حل المسألة الغامضة حول ما إذا كانت قطر قد دفعت أكبر فدية في التاريخ إلى حد الآن.