عبدالله المزهر

«يعنني» وسطي!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 15 يوليو 2018

Sun - 15 Jul 2018

جاء في مقاييس اللغة أن «الطاء والراء والفاء أصلان: فالأول يدل على حد الشيء وحرفه، والثاني يدل على حركة في بعض الأعضاء. ويقال ناقة طَرِفَة: ترعى أطراف المرعى ولا تختلط بالنوق. وقولهم: عين مطروفة، من هذا؛ وذلك أن يصيبها طَرَف شيء ثوب أو غيره فتغرورق دمعا» أ. هـ. والتطرف مأخوذ بهذا، والكائن المتطرف ينظر إلى «الحافة» كنظرة السمكة للماء.

ويؤمن أنه إن تركها واتجه إلى الوسط قليلا هالك لا محالة. ولذلك يتشبث بها ويغرس أظافره وأسنانه في أطراف الحياة، محاولا أن يبتعد عن «قلبها» ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

ومن أمثلة التطرف الطازجة التي لم تبرد بعد مثال الفتاة التي اقتحمت على الفنان ماجد المهندس خلوته وهو يبتهل «ذوب بأحضاني مثل قطعة جلید، علم العشاق كیف الحب یكون بلا حواجز أحلى طعم الحب أكید».

فجل الذين تحدثوا عنها كانوا يقفون على حافتين يتبادلون النقاش بأصوات مرتفعة، وسبب ارتفاع الصوت هنا مبرر، وهو أن كلا منهما في طرف بعيد عن الآخر.

الذين على الحافة الأولى يصرخون بأن هذا أمر طبيعي وفي سياقه، وأن الفتاة لم ترتكب شيئا معيبا، وأن انتقاد تصرفها دليل تخلف ورجعية، ولا يستبعد أن تستضاف في لقاءات متلفزة تتحدث عن تجربتها الرائدة، ثم يأتيهم الصراخ المقابل بأن الفتاة قامت بأسوأ تصرف قام به إنسان منذ أن وطئت أقدام جدها آدم الأرض. وأنه لا بد من التنكيل بها وإيلامها وسجنها والقضاء على ما تبقى من حياتها.

انتهى المثال، ولن أسهب في تفاصيله، لأن الفكرة هي في الحديث عن طريقة النظر إلى «قضايانا» وليست في تفاصيل قضية معينة.

الأمر الآخر الذي أصبح ملاحظا مع كل حدث أو قضية أو نازلة هو تصريحات المحامين، أظنهم والله أعلم يستمتعون بالمطالبة بإنزال أقصى العقوبات، مع أن عمل المحامي في كل الدنيا هو العكس، لكن يبدو أن لدينا خصوصية في هذا الأمر.

وهذا الهوس ملاحظ لدى كثير من الخلق، فالكل يطالب بمعاقبة الكل، وأصبحت المطالبة بالعقاب والحبس والتنكيل أسلوب حياة، أصبح الجميع محققين وقضاة، يصدرون الأحكام ويطالبون بتنفيذها فورا، والاتهام لا يعني لديهم إلا «الإدانة» وكل متهم مدان حتى وإن ثبتت براءته، وهذا شيء يمكن استساغته ـ على مضض ـ من عامة الناس، لكنه يصبح غريبا حين يتبناه المحامون، إنه شيء يشبه أن يطالب الأطباء بقتل المرضى لأن ذلك أسهل من علاجهم.

وعلى أي حال..

الوسط يبدو منطقة خاوية من الناس، وأحيانا يصبح عدم التطرف عارا ومسبة، وحين يقول الإنسان رأيا خاصا لا يميل فيه إلى طرف بعينه فإنه يصبح متهما بأنه يمارس اللعب على الحبال، وأنه لا يريد أن يخسر الطرفين مع أنه في الواقع يخسرهما. وهذا مكسبه الوحيد.

@agrni