عبدالله المزهر

الفن المواعيني الحديث!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 12 يوليو 2018

Thu - 12 Jul 2018

قال أحدهم قبل بضع سنوات ـ غفر الله لنا وله ـ إن سكان الجزيرة العربية كانوا يعبدون القدور والأشجار، وقد كان كلامه حينها محل سخرية وانتقاد من كثيرين، ولكن بعد طول تأمل وتبصر وتدبر بدأت أشك أن كلام الرجل قد يكون صحيحا وأن السخرية من هذا الرأي لم تكن في محلها.

لا أجد تفسيرا غير هذا لهوس البلديات في كل مناطق المملكة «بالمواعين»، فجل المجسمات الجمالية في مداخل المدن والمحافظات لا تخرج عن إطار محتويات المطبخ، دلال وفناجين وصحون وقدور. ثم إني واحد من الناس الذين تفهموا هذا الأمر على قبحه، وبدأت أعود نفسي على النظر بإيجابية إلى تلك المواعين، وأقنعت نفسي بأن التركيز على المطبخ فيه دلالة على الكرم وحب الضيف.

شاهدت بالأمس مقطعا لأشجار على أحد الطرق وقد تمت حلاقتها لتصبح على هيئة دلال ـ جمع دلة وليس على شكل فاتنة اسمها دلال، وهذا جعلني أشك في أن الأمر ليس مجرد دلالة على الكرم، لكن الذي أربكني هو موضوع عبادة الأشجار، من الواضح أنه لم يكن أحد يفعل ذلك، حسب نظرية صاحبنا ـ غفر الله لنا وله ـ وأن الأمر كان مقتصرا على الأواني فقط. وربما نشاهد مستقبلا إن استمررنا على ذات الوتيرة مجسمات لمايكرويف من باب الدلالة على الكرم والتطور التقني في ذات الوقت.

والفكرة في بساطة ودون كثير من التعقيدات أن أجمل ما في الأشجار هو أن تبقى أشجارا كما خلقها الله سبحانه وتعالى، لكن بعض المسؤولين في البلديات والأمانات يعتقدون أن شكل الشجرة الطبيعي يحتاج إلى لمساتهم الفنية والإبداعية فيحولونها إلى شيء لا علاقة له بالشجر ولا بالخضرة ولا بالوجه الحسن.

وأظن ـ والله أعلم ـ أن هؤلاء المبدعين يحتاجون إلى دورات قصيرة ومكثفة يتعلمون فيها فوائد الشجرة، وأن «الزينة» واحدة من فوائدها وليست أهمها، فالأشجار للظلال ولتلطيف الأجواء ولمقاومة التصحر ولزيادة الأكسجين، وهذه أشياء لا تحدث مع شجرة يتم تقزيمها في كل مرة تحاول فيها أن تمد أغصانها.

ثم إن الإنسان ليعجب من أننا قوم لا نهتم بالأشجار ونحن الذين نطوف بلاد الأرض شرقا وغربا نبحث عن الخضرة والماء ونلتقط الصور مع كل أشجار المعمورة، ثم حين تنبت في أرضنا شجرة لا نرى لها فائدة إلا في «المشب».

المنطق يقول إنه من المفترض أن نكون أكثر شعوب الأرض اهتماما بالأشجار ورعاية لها وحفاظا عليها، وأن يكون لدينا هوس بزراعة الأشجار في كل مكان وفي كل شارع وأمام كل منزل، لكن المنطق ـ كعادته ـ لا يكون هو سيد الموقف. وتوارت الأشجار في عباءة المواعين.

وعلى أي حال..

لعل من فوائد الأشجار التي لا يجب أن نغفلها أنها المادة الخام التي تصنع منها «المشاعيب» ـ جمع مشعاب ـ وهو أداة متعددة الاستخدامات، وله فوائد جمة قد يكون من المفيد أن يعرفها بعض مسؤولي البلديات وكل العابثين بالطبيعة وبالأشجار.

@agrni