إبراهيم يحيى أبوليلى

دار المسنين..

الاثنين - 09 يوليو 2018

Mon - 09 Jul 2018

من المعلوم أن كل دولة من دول العالم بشتى معتقداتها تقوم بإنشاء دور للمسنين ضمن منشآتها، تؤوي فيها كبار السن من الجنسين الذين ليس لهم عائل ولا راع بعدما بلغوا أرذل العمر وأصبحوا لا يستطيعون خدمة أنفسهم، فلا بد من راع يرعاهم ويقضي لهم حوائجهم ويدبر لهم شؤونهم، هذا من واجبات البشر نحو بعضهم بما وضع الله من الرحمة في قلوب الخلائق.

وهذه الدور تتحول إلى دور للعقوق ومراتع للإثم إذا كان مرتادوها لهم أبناء أحياء عقلاء ميسورو الحال، ومن أعجب العجب أن تجد في دور المسنين هذه رجالا ونساء لهم أبناء يعيشون في رغد من العيش هم وأبناؤهم وزوجاتهم في قصورهم ومنازلهم الفارهة، ينامون على الفرش الوثيرة يهدهدون أبناءهم في أسرتهم ويقبلونهم ويلبون طلبات زوجاتهم مهما كبرت هذه الطلبات، في حين يستثقلون تلبية حاجة إنسان قد بلغ من العمر أرذله بحيث لا يكلفهم الكثير سوى نظرة عطف ورحمة ورد بعض من جميل هؤلاء.

آباؤهم وأمهاتهم يقبعون هناك في دار المسنين يتجرعون ألم عقوق الأبناء وتسيل دموعهم في الليل والنهار لما يرون من إنكار خطير للجميل من هؤلاء الأبناء، وكل يوم يسترجعون شريط الذكريات المليء بالألم والحزن والحسرة والأسى الذي يجعل الحياة مؤلمة، ويكون الموت أعز صديق حين يشاهدونه يمر أمام أعينهم، يتذكرون هؤلاء الأبناء عندما كانوا صغارا في أحضانهم يدللونهم ويلبون لهم كل رغباتهم وحوائجهم من غير أن يطلبوها، راضين يملؤهم الحب والعطف، ثم يطلقون زفيرا حارا ملتهبا مصدره صدر كالمرجل يغلي أو كبركان خامد يأكل بعضه بعضا يوشك على الانفجار، ولكن الرحمة التي تملأ قلوبهم على فلذات أكبادهم تمنع ذلك الانفجار لكيلا يصاب ذلك العاق بسوء.

ولقد تعجبت كثيرا وتألمت جراء ما أسمع من قصص عن العقوق وإلقاء الآباء والأمهات في دار المسنين والعجزة من قبل أبناء جانبهم التوفيق وآثروا رضا زوجاتهم وأصدقائهم وتجارتهم وعملهم على رضا ربهم في كسب بر الوالدين، أهذا هو رد الجميل لأم عانت الأمرين حين حملها وآلام وضعها وأب سهر الليالي لتوفير لقمة عيش هنيئة لأبنائه؟ ولو علم ذلك الجاحد أنه لو أعطي عمرا فوق عمره عشرات المرات وظل يخدم أبويه لما رد جزءا يسيرا مما قدماه له، فكيف بمن يلقي بأمه أو أبيه في دار العجزة والمسنين وهو حي يرزق يروح ويغدو ضاحكا مبتهجا! فأي قلب قد من صخر من هذه صفته.

ولقد روي في التاريخ أن رجلا جاء بأمه من بلاد بعيدة حاملا إياها فوق ظهره إلى مكة للحج وطاف بها وسعى ثم سأل الصحابي الجليل عبدالله بن عمر: هل وفيت حقها؟ فقال له: لم توف طلقة من طلقاتها حين ولدتك. الله أكبر أي حق للآباء والأمهات على الأبناء! إن الإنسان ليشعر بالرعب حين يسمع عن عقوق الوالدين وهو يجاهد لنيل رضا الله برضاهما.

إن حقوق الوالدين عظيمة جدا، ولن يؤديها إلا من وفقه الله وكتب له الخير.

وأخيرا أقول: إن أي ابن لم يسع بيته أباه أو أمه أخشى ألا تسعه جنة الله التي عرضها السموات والأرض، فليحذر كل ابن أو ابنة من عواقب العقوق، فإن ذنبه عظيم يطال الإنسان في دنياه قبل آخرته، وسيكون جزاء وفاقا، والجزاء من جنس العمل، سوف يفعل الأبناء ما فعل الآباء بوالديهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والله عادل ولا يظلم أحدا مثقال ذرة.

ومن المفترض أن توضع عقوبة لمن يلقي أبويه أحدهما أو كليهما في دار العجزة والمسنين، ولقد وضعت عقوبات كثيرة كعقوبة التحرش وخلافه، فمن باب أولى أن يعاقب من يرتكب جريمة العقوق لكي تسلم المجتمعات من هذه الآفة، ولكي تعم البركة ويكثر الخير وتتنزل رحمات الله على الناس، ولكي نكون بحق أمة مسلمة ترعى حقوق الناس ومن أوجب الحقوق حقوق الوالدين.

نسأل الله أن ينير بصائرنا ويبصرنا بعيوبنا، وأن يكتب لنا التوفيق في كل أمورنا إنه جواد كريم.

الأكثر قراءة