إبراهيم يحيى أبوليلى

التقرير الخطير للهدهد

الجمعة - 06 يوليو 2018

Fri - 06 Jul 2018

عندما نتحدث عن الأمور الغيبية فإننا نستحضر عظمة الخالق جل وعلا، وأنه هو المتصرف في أمور الخلق، قال الله تعالى «ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين»، من هذا المنطلق إنه عندما جاء الهدهد الجندي الأمين في سلك الدبلوماسية السليمانية بعدما غاب حتى فقده نبي الله سليمان وهدد بأن يعاقبه عقابا مميتا بالذبح إن لم يأت ببرهان ودليل وسبب مقنع لغيابه، هذا الانضباط في مملكة سليمان النبي عليه السلام يعطي دروسا لكل الممالك والدول في كل عصور التاريخ إلى يوم البعث، وقف الهدهد ومكث غير بعيد عن مليكه وقوف الواثق من نفسه، وقوف الصادق، وقوفا لا ريب فيه ولا شك، استعدادا لسرد تقرير مفصل وخطير عن أعظم قضية خلق هذا الكون لأجلها، وبها قامت السموات والأرض، إنها قضية التوحيد والإيمان بالله رب العالمين، والاستسلام الكلي له.

تقرير عن رحلته التفقدية، وهذا التقرير مفاده: ذهبت إلى مملكة سبأ باليمن، وتطلعت إلى أحوال القوم هناك وجئتك منها بنبأ يقين صادق، إني وجدت لهم مملكة عظيمة وأن امرأة تملكهم وتحكم فيهم، وقد أوتيت من كل شيء حتى إن الله حباها عرشا عظيما، وهنا استدرك الهدهد قائلا: برغم هذا الملك العريض وما أنعم الله به على أهل هذه المملكة إلا أنهم بدلا من أن يعبدوا الله المنعم ويسجدوا له اعترافا بهذه النعم العظيمة، وتسليما بربوبية ربهم وألوهية إلههم وخالقهم، سول لهم الشيطان وزين لهم أعمالهم في السجود للشمس من دون الله، وهي إحدى مخلوقات الله التي أوجدها الخالق لكي ينعم الإنسان بها ويستفيد منها وهي مسخرة له.

واستغرب، بل تعجب الهدهد المؤمن واستطرد مستنكرا فعلهم هذا ومعللا استنكاره بـ «ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25) الله لا إلٰه إلا هو رب العرش العظيم (26)» يقول بعض المفسرين إن الهدهد عندما قال الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض إن الله أعطى الهدهد من قوة البصر بحيث يرى الماء وهو في جوف الأرض، وهنا يتبين أن الإنسان المميز بالعقل يصبح أقل منزلة من طير أو حشرة حين يتردى بعقله إلى ما دون مرتبة الحيوان، عندما يعبد مخلوقا أقل منه منزلة وهو خلق لفائدته وسخر له هو.

نعم تعجب الهدهد وتحير في أمر هؤلاء المخلوقين لله حتى أنسته الحيرة والعجب ما أرسل له، وأنه جندي حان موعد مثوله بين يدي مليكه النبي المجاهد، كيف يعرف مخلوق بهذا الصغر أن الشيطان هو من زين لهم هذه العبادة؟ برغم تحذير الله لهم من كيده منذ خلق أباهم آدم، وما حاك من مؤامرة ضده في الجنة، وحذرهم عالم السر وأخفى بألا يخدعنهم الشيطان عن عبادة ربهم وخالقهم والمنعم عليهم بشتى النعم الظاهرة والباطنة.

إنه الإيمان، نعم أيها الإنسان الجحود والمنكر عطايا ربه الذي خلقه وأنعم عليه ثم يتولى عن الخالق ويعبد مخلوقا هو أقل شأنا منه، فكم في القرآن الكريم من عبر يجب أن نتفكر فيها ونتدبرها، ويجب على الإنسان ألا يمر عليها وهو معرض عن الحكمة المبثوثة في آياته.

نعم إنه إيمان الهدهد الأمين، ونعلم من هذا أن كل الذين كانوا تحت إمرة نبي الله سليمان من الجن والإنس والطير يخضعون لرب واحد ولحكم نبي مرسل من ربه، فعلى الناس المعرضين عن ربهم أن يخجلوا من أنفسهم حين يعلمون أن بعض المخلوقات التي لا تتميز بالعقل مثلهم، توحد الله العلي، في حين أنهم من كان الأولى بهم أن يكونوا حاملي هذا الإيمان، وكل الدلائل في الكون تخبرهم وتدلهم إن جردوا النفوس والعقول من الأهواء على أن الله أحق بالعبادة والسجود له من دون الأحجار والأشجار والكواكب والشموس وكل ما سول لهم الشيطان عبادته من دون الله.

فاللهم ارزقنا الإيمان الكامل، واليقين الصادق حتى نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان، وأوزعنا أن نشكر نعمك التي أنعمت علينا، إنك أنت الوهاب.