حذيفة مدخلي

اللغة العربية.. فرصة اقتصادية مهملة

الاثنين - 02 يوليو 2018

Mon - 02 Jul 2018

عام 2013 أصدر المجلس الثقافي البريطاني تقريرا أسماه «أثر الإنجليزية»، يناقش ما تحققه اللغة الإنجليزية لبريطانيا «ما قيمتها بالنسبة لبريطانيا وما أهميتها بالنسبة للعالم؟».

أشار التقرير إلى أن اللغة الإنجليزية اليوم هي لغة التواصل الثقافي بين شعوب العالم، ولغة العلم والمعرفة، وهذا يمنح بريطانيا قوة في مجالات الثقافة والدبلوماسية والتجارة والإعلام والأكاديميا والبحث العلمي والتقنية وغيرها من المجالات.

في الجانب الاقتصادي أورد التقرير أرقاما مفزعة، ففي الوقت الذي تعاني فيه دور النشر العربية وتتناقص يوما بعد يوم، تتصدر دور النشر البريطانية والأمريكية والكندية قوائم النشر العالمية، وتستحوذ بريطانيا لوحدها على ما يزيد على 58 مليار ريال من عوائد النشر السنوية (ربع عوائد النشر العالمي)، كما أشار التقرير إلى أنه سنويا يصل إلى بريطانيا أكثر من مليون وربع المليون طالب وطالبة من مئتي دولة حول العالم، نصفهم يتوجهون للجامعات والكليات، والنصف الآخر يأتي للدراسة في برامج لغة إنجليزية قصيرة الأمد بهدف تطوير مهاراتهم في استخدامها، وحسب التقرير فإنه في عام 2011 فقط بلغت العوائد الناتجة عن الطلبة الأجانب في بريطانيا 90 مليار ريال، الأمر الذي أنعش اقتصادات الجامعات والمدن المستضيفة للطلبة، ويتوقع التقرير ارتفاع هذا الرقم في 2020 إلى 110 مليارات ريال، وفي 2025 إلى أكثر من 130 مليار ريال.

الحكومة البريطانية تعي جيدا قيمة اللغة الإنجليزية وكونها الموطن الأم لها وتستمر في الاستثمار في هذا المجال وسن الأنظمة التي تضمن استمرار تدفق الأموال منه، ففي عام 2016 خرج رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون وصرح أن الأجانب الذين يفشلون في اجتياز اختبار اللغة الإنجليزية سيتم ترحيلهم.

في المقابل، يقضي العامل الأجنبي في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي (موطن اللغة العربية الأصلي) سنين طويلة ويغادر وهو لا يستطيع بناء جملة عربية واحدة، وبسبب عدم تأهيلهم اضطررنا نحن لتحدث نسخة مسخ من لغتنا ليفهمونا ونفهمهم.

أحد الزملاء ولد في السعودية وعاش فيها 18 سنة من عمره وخرج منها وهو لا يتحدث ولا يفهم العربية، والسبب أن والده كان مهتما بتعليمه الإنجليزية والفرنسية والأوردية دون العربية، نفس الحالة مرت علي مع زميل ولد في عمان وعاش فيها حتى تجاوز المراهقة ولا يعرف أكثر من عبارات الترحيب، مما يعني أن هذا الأمر شائع بين الأجانب في الخليج، وهم محقون في ذلك، فإتقانهم للإنجليزية سيمنحهم فرصا وظيفية أفضل في الخليج مقارنة بما ستمنحهم إياه اللغة العربية.

إن الاستثمار في اللغة العربية مهم جدا بالنسبة لثقافتنا وقوتنا واقتصادنا. حاليا الأرقام لا تبشر بخير، فعدد المعاهد المتخصصة في تعليم اللغة العربية - غير معاهد الجامعات - محدود جدا، وعدد المنخرطين فيها لا يشكل فائدة اقتصادية تذكر.

من الطبيعي ألا يستثمر الناس في هذا المجال لأنه غير مجد اقتصاديا في ظل عدم وجود أنظمة تلزم الأجانب بتعلم العربية قبل العمل. من المهم تأسيس مجلس ثقافي عربي مقره المملكة العربية السعودية موطن اللغة العربية الأول بدعم وإشراف حكومي سعودي وبمشاركة خليجية، عمله يتركز على نشر اللغة العربية وثقافة الجزيرة العربية في البلدان، ويعمل بالشراكة مع وزارات الثقافة في الدول الخليجية. من المهم أيضا أن تفرض الأنظمة التي تضمن انخراط الأجانب المقيمين والعاملين في الدول الخليجية في برامج تعلم اللغة العربية، فهذه الأعداد الهائلة من الأجانب لو ألزمت بتعلم اللغة العربية ستحل مشكلة بطالة خريجي الجامعات من متخصصي اللغة العربية وستخلق فرصة اقتصادية واستثمارية مهمة، بالإضافة لإسهامها في حل مشكلة التواصل بيننا وبين العاملين في بلدنا ونشر الثقافة العربية في البلدان المصدرة للعمال.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال