حنان المرحبي

موافق على العقد «عمياني»!

الجمعة - 29 يونيو 2018

Fri - 29 Jun 2018

«أنا موافق»، نص نعرف مكانه جيدا في العقود، خاصة عقود الخدمات المقدمة عبر التطبيقات الالكترونية. نعرف مكانه جيدا لأننا نعتقد أنه الحاجز الأهم الذي يفصلنا كعملاء عن استخدام تلك الخدمات، ولأنه العبارة الأكثر وضوحا في العقد الذي قد يصل طوله من 500 إلى 2000 كلمة وأحيانا أكثر، تدرج خلاله التعاريف، والتفسيرات، والمصطلحات القانونية التي في كثير من الأحيان لا يمكن تفسيرها دون الاستعانة بمحامين، وربما لا جدوى حقيقية من محاولة فهم البنود أو تمديد الوقت لإحضار محام للتفاوض على خدمة لست بمستغن عنها على أي حال، فتباشر بالتوقيع موافقا، تدفعك إلى ذلك حاجتك الماسة للخدمة، ويقينك أن الموافقة محتومة.

هذا حالنا كعملاء عند تسلم عقود مزودي الخدمات، ومنها خدمات أساسية كالبنكية والعقارية والاتصالات. والمشكلة يعود سببها الرئيس إلى مزود الخدمة الذي كان بإمكانه تحسين لغة العقد لتكون بسيطة وواضحة ومباشرة وتضع النصوص الأكثر أهمية في المقدمة، وتذيلها بالتفسيرات والمصطلحات والتعاريف الأخرى.

العقد الذي لا يستطيع طالب دراسات عليا قراءته وفهمه دون حاجة لوعي قانوني أو تفسيرات يعني أن اللغة المستخدمة فيه غير جيدة، وأن المشكلة لن يكون ضررها على العميل فقط ولكن أيضا على الشركة. في ظل التنافس الشديد، سرعة إنجاز العقود تضيف للشركة ميزة تنافسية حين تسهم في حفظ الوقت الذي تقضيه في التفاوض أو استدعاء محامين عند كل عقد مع عملائها المؤثرين. ربما أيضا يكون اضطرار العملاء للتوقيع دون فهم لبنود العقد مسببا رئيسا لخسارة ولائهم لاحقا، وسوء السمعة نتيجة ظنهم أن هناك غشا وأن الخدمة سيئة في حين أن العقد يكون قد تطرق لوجود الأحقية للشركة في التصرف الذي لم يرض العميل.

ومن أشهر الأمثلة بند سياسة الاستخدام العادل للانترنت الذي كان مبهما، وربما لم يدرك وجوده العميل إلا عند التجربة الفعلية للخدمة. نتج عن ذلك استياء شديد من عملاء شركات الاتصالات رغم وجود البند الذي يعطيها الحق في التصرف الذي قامت به.

هدف الشركة من التعاقد هو حماية مصالحها وتيسير أداء الأعمال الضخمة واليومية، لهذا تحرص على إدراج كل التفاصيل التي ترى أهميتها دون عناية كافية بتنظيم عرض المحتوى فيصل طوله إلى عشرات الصفحات، قد تخلط النصوص الأساسية مع التفسيرات ولا تستخدم عناوين أو نقاط تعداد، وتدرج كلمات مستعصية على الفهم أو تدرج عبارات منسوخة من عقود أخرى ليست متأكدة من ضروريتها أو تذكر أحداثا أو قصصا خارجة عن موضوع العقد، وهو أمر مستغرب ولكن يحدث.

إعادة بناء العقد ليست مهمة سهلة، ولكن ممكنة مع المحاولة المتكررة وفهم طبيعة أعمال الشركة والتركيز في الخدمة المقدمة والمخاطر التي تصاحبها.

وقد قدم الكاتب Joseph Kimble حلا وعددا من النماذج الناجحة لهذه المشكلة في كتابه المعنون:

«Writing for Dollars, Writing to Please: The Case for Plain Language in Business, Government, and Law».

اسم المقترح المقدم plain language ويقوم على إزالة عبارات الوصل والتحديد من مثل «ورغم ما سبق»، «تفاديا للشك»، «بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر»، «وفق تقديرها الخاص»، «فورا»، «حتى الآن»، ليكون التركيز في موضوع العقد (أي طبيعة الخدمة ومخاطرها) وبلغة بسيطة ليست فيها مصطلحات قانونية ومن الممكن أن تختصر على سبيل المثال عشر صفحات في اثنتين.

hanan_almarhabi@