عبدالغني القش

تكافل.. جمعية ورعاية وتكامل!

الجمعة - 08 يونيو 2018

Fri - 08 Jun 2018

كنت ولا زلت، ومن خلال ممارسة عملية دامت لسنوات طوال، أطالب بنمذجة جمعياتنا الخيرية، وأن تكون هناك رؤية واضحة ورسالة أوضح، وأهداف وقيم معلنة.

وللحق فإن الوضع قد تحسن كثيرا عن ذي قبل، وقلما تبصر جمعية واقعا من خلال زيارة أو قراءة كتصفح موقع أو منشور موزع، إلا وتجد هذه الأمور ظاهرة للعيان.

لكن حديثي اليوم عن جمعية تصلح أن تقدم كأنموذج يقتفى ومثال يحتذى للجمعيات الخيرية، خاصة ممن لهم علاقة بهذه الفئة الغالية على قلوب الجميع.

جمعية تستخدم الإجراءات الحاسوبية الدقيقة، وتخضع برامجها للتقييم والتقويم، وتجري الدراسات في الجامعات وتستقطب الخبرات حرصا منها على أن تكون برامجها متقنة وأنشطتها مثالية.

وتجدها تعمل بصمت شبه مطبق، لتفاجئ متابعيها بانقضاء برنامج علمي أو منشط بدني أو رحلة علمية أو حج أو عمرة، هذا فضلا عن إحصاءاتها المذهلة التي لا تفتأ تعلنها بين الفينة والأخرى.

لا تستغرب إذا سمعت بأن أحد رعاياها حقق جائزة علمية كجائزة خادم الحرمين الشريفين للموهوبين والمخترعين، وأن الآخر حقق مركزا متقدما في الأولمبياد العلمي في الرياضيات أو غيره من الحقول؛ لأنها تولي الصحة والتعليم جل اهتمامها وتمنحهما فائق رعايتها.

مشاريعها مميزة وتتسم بالديمومة كمشاريع الأوقاف العقارية ووقف النخيل ومشروع بناء مساكن في القرى والمحافظات، وقد حققت تلك المشروعات ولا تزال تقدما متميزا.

إنني أتحدث وبكل اعتزاز عن جمعية تكافل لرعاية الأيتام بمنطقة المدينة المنورة، والتي تزدهر يوما بعد آخر وتتنامى فروعها ومكاتبها بشكل مدروس بعيدا عن العشوائية.

والأهم أنها لا تتعامل مع المستفيدين إلا من خلال برامج حاسوبية، فلا يمكن تسليم أسرة مبلغا نقديا أو مساعدة عينية أو سلة غذائية إلا من خلال بطاقات تمنح للأسرة لتشتري احتياجها من الأغذية أو المواد وفق ما تراه وترغب هي، لا وفق ما تمليه الجمعية، وهو تعامل في غاية الرقي.

كم نحن بحاجة لتطوير جمعياتنا الخيرية، والخروج من النمطية والتقليدية، بل والخروج من التقوقع الذي تعيشه.

وفي ذاكرتي صور ومواقف لبعض الجمعيات في أزمنة مضت يندى لها الجبين وتدمع لها العين، ولك أن تتصور جمعية تعجز عن دفع إيجار مقرها، وأخرى تقف حائرة فيما يتعلق بتأمين رواتب العاملين فيها، حتى إن بعضها كان لا يستطيع طباعة مطبوعاته الرسمية، وغير ذلك، وجميع تلك الصور نتيجة عدم وجود استراتيجية وأصول ثابتة لمواردها، وأذكر أن بعضها قد أغلقت أبوابها وانتهت بمجرد أن بدأت أو أوشكت!

إن من المتعين لدى العقلاء أن الجمعية أيا كان نوع نشاطها أو الفئة المستهدفة من خدمتها يفترض أن يحمل مجلس إدارتها فكرا تطويريا على كل الأصعدة (برامج وأنشطة وموارد وغيرها)، بحيث يضمن للجمعية الاستمرارية وبقوة، فالمال عصب الحياة، ومسألة أن تعتمد الجمعية على إحسان المحسنين مسألة تحفها التقلبات وتعتريها الإحجامات من المتبرعين والمتبرعات.

وأذكر في هذا السياق حضوري لتدشين جمعية وبحسب القائمين على الحفل آنذاك لم تتم تغطية تكاليف الحفل (المقر والمطبوعات والضيافة) وأنه تم إنقاذ الموقف من متبرعة من منطقة أخرى!

ليت الوزارة أيضا تعيد النظر في حجم الدعم المقدم للجمعيات بحيث يكون متماشيا مع الأنشطة والبرامج والمقرات وعدد الموظفين والموظفات، وألا يكون مقطوعا، بحيث تدعم الوزارة كل برنامج ونشاط يقره مجلس إدارة الجمعية ولو كان في منتصف العام.

وختاما فإن الجميع يعيش أياما فاضلة وليال مباركة، ودعم هذه الجمعيات من الزكوات والصدقات يعد فرصة سانحة، والمبادرة إليه ديدن الفضلاء ودأب الحكماء ومنهج العقلاء، وهي دعوة للخير في شهره، لاغتنام ثمره، وقطف زهره، فهل نهب جميعا؟!

[email protected]