«عقبال ما نشوفك دكتور»

السبت - 02 يونيو 2018

Sat - 02 Jun 2018

اتصلت علي إحدى قريباتي تطلب مني المساعدة في موضوع ابنها - من وجهة نظرهم - المشتت والحائد عن الطريق. والموضوع هو أنه كان رافضا لدخول الجامعة محليا لعدم احتوائها على القسم الذي يرغبه، وهو تخصص دقيق في التقنية، في مقابل رفضهم لسفره إلى الخارج لتعلمه، مما حدا به إلى مقاطعة الجامعة لسنة كاملة. ومن ثم تحت الضغط الشديد من الجميع وافق على التسجيل، وها هو الآن يتعثر في سنته التحضيرية التي امتدت للثانية وسط امتعاض الجميع وانتقاداتهم اللاذعة. مما دفع بأهله أخيرا للاستماع إليه ومحاولة تفهمه، والذي دفعها بالتالي لمكالمتي بخصوص رغبته في عمل مشروع لفكرة تقنية، والذي لم تستطع أن تستوعبه. حينها شرحت لها أنها فكرة مبتكرة وأن ابنها موهوب وذكي وكل ما يحتاجه هو تفهمهم ودعمهم للوصول لمنطقة وسطى. بعدها تحدثت إليه واكتشفت أنني أمام شاب متعطش للتفهم، متخبط بسبب كثرة الأفكار التي لا تجد لها مخرجا أو مستوعبا. مكتئب وغاضب بسبب طموحاته المكبوتة وإحساسه بالاختناق من نظام تعليمي يهمل المواهب، ومجتمعات بطيئة الاستيعاب للتغيرات السريعة واحتمالات المستقبل.

«كما أن تناول الطعام دون حاجة يؤذي الصحة.. كذلك التعلم دون رغبة أو شغف يفسد الذاكرة، وفي النهاية لن تتعلم شيئا».

ليوناردو دافنشي

كتبت كثيرا عن التخصصات واحتمالات المستقبل واحتياجنا كمؤسسات تعليمية ومجتمعات أسرية لأن نغير تفكيرنا فيما يخص التعليم والتخصصات الجامعية في مقالات مثل «تخصص في البحث عن المشاكل» وغيرها. والآن نحن في موسم الحصاد الدراسي، حيث تعلن النتائج وتبدأ مسلسلات اختيار التخصص الجامعي. الضغوطات، الوالدان اللذان يرغبان في رؤية ابنهما طبيبا أو مهندسا. والشاب الذي زرعوا فيه أنه يجب أن يختار تخصصا يضمن له الوظيفة (كأن الوظائف ستظل نفسها). والأهم الدراما العظمى للخريجين الذين ليس لديهم أدنى فكرة عما يناسبهم، ولماذا يمكن أن يختاروا، في مقابل من لا يجد نفسه في أي تخصص معروض أو متوفر في بلده أو ضمن حدود إمكاناته.

«مجتمعنا القائم على المعلومات والذي يسير كل شيء فيه بشكل سريع، يحتاج بشدة لهؤلاء الذين يعرفون كيف يحصلون على المعلومة لا كيف يتذكرونها، وهؤلاء الذين يستطيعون التكيف مع المتغيرات بطريقة أكثر ذكاء. وهما الشيئان اللذان لا نتعلمهما في المدرسة».

ويدني بريسنيتز – كاتبة كندية متخصصة في التعليم

أيها الأهالي كل ما أطلبه منكم هو أن ترحموا أولادكم من ضغوطاتكم وتوقعاتكم ونصائحكم المبنية على زمن غير زمانهم، كما عليكم الاطلاع على مجريات العالم ومتغيراته لتدركوا كم من غير المجدي، بل ومن الظلم، إجبار أولادكم أو دفعهم إلى ما أنتم مقتنعون به أو ما ترغبونه، لأنهم مستقلون عنكم ومسؤولون عن مصائرهم وبالتالي يجب أن يكونوا مسؤولين عن اختياراتهم. لذا نرجو منكم أن تسمحوا لأولادكم بالابتعاد عنكم لبعض الوقت والذهاب إلى مكان حيث لا يوجد أشخاص ومجتمع ينتظرون منهم أي توقعات، حيث يستطيعون أن يشعروا باستقلالية تامة في التفكير والشعور، للتواصل مع رغباتهم الحقيقية واكتشاف بوصلتهم الداخلية، إلى مكان حيث يستطيعون الحديث مع أشخاص محايدين ومنفتحين أمام خيارات الحياة العديدة وفرصها المتجددة، إلى حيث بإمكانهم خوض تجربة حياتية حقيقية تدفعهم لاكتشاف أنفسهم ونقاط قوتهم وضعفهم. فمعرفة الذات هي البداية الحقيقية لكل شيء.

«التعليم هو ما يتبقى في عقولنا بعد أن نكون قد نسينا كل ما تعلمناه في المدرسة. إنها معجزة أن نحافظ على هذا القدر من الفضول نحو التعليم وحب الاطلاع، بعد أن أتت عليه الوسائل التعليمية الرسمية».

ألبرت أينشتاين

ويا أيها الطالب على مشارف الجامعة، تقبل حقيقة أنك قد تكون لا تعرف بعد ما تريد، وعليه ستختار تخصصا يستهويك بنسبة معينة، بينما أنت في رحلتك لاستكشاف ما تريد. وربما حين تتخرج تعمل في مجال مختلف تماما. ربما ستقول لي إن الدراسة ليست مهمة! وستيف جوبز وزوكيربرج وبيل جيتس لم يكملوا دراستهم! سأقول لك بأنهم حالات استثنائية صادفت ظروفا وحقبا زمنية معينة، مصحوبة بنظام تعليم ذاتي صارم وقوي جدا، ومدفوعة بحس مغامرة عظيم، وقد نجحت في مقابل الملايين التي لم تنجح. حسنا أسمعك تتساءل: ماذا سأستفيد عمليا من سنواتي الأربع؟ حسنا، ستكسب شهادة تضمن لك القبول الاجتماعي والوظيفي (ليس أولوية ولكنه يؤخذ في الاعتبار)، وتيسر لك مداخل وتفتح لك الأبواب لمجالات ستجد من خلالها نفسك وتتطور وتكتسب الخبرة التي قد تساعدك على التمكن والتمرس للحصول على العمل الذي ترغبه وتجد نفسك فيه، وربما بدء مشروع تتمناه وتؤمن به. ولكن الشرط هو ألا تقتصر حياتك على الدراسة فقط، بل عليك أن توازي حياتك الدراسية بالعمل والتجربة والتدرب العملي والتعليم الذاتي قدر الإمكان. حتى إذا ما تخرجت من الجامعة لا يكون ذلك فقط بالشهادة، ولكن أيضا بالخبرة العملية، والعلاقات، والمهارات المهنية التي تجعلك مستعدا تماما لمواجهة العالم بكل تحدياته ومقوماته الحقيقية. وكل هذا في سبيل أن تكون راضيا وشاعرا بالتواؤم ما بين نفسك وبين سعيك الدؤوب في الحياة.

«في الواقع أي عملية تعليم هي تعليم ذاتي، المعلم مجرد مرشد يشير لك إلى الطريق. ولا توجد أي مدرسة مهما كانت كفاءتها، قادرة على إعطائك تعليما حقيقيا. ما تتلقاه في المدرسة أشبه بحدود رسومات في كتاب تلوين للأطفال، وعليك أن تلون الفراغات بنفسك».

لويس لامور – كاتب وقاص أمريكي

@hebakadi