الشهادة يجب أن تتشرف بحاملها.. لا العكس!

تقليد شاع في مجتمعنا حتى كاد يكون ظاهرة اجتماعية ملفتة، وهي احتفاؤنا بالـ«د» التي تسبق أسماء من نالوا شهادة الدكتوراه في أي فرع من فروع العلوم على اختلافها

تقليد شاع في مجتمعنا حتى كاد يكون ظاهرة اجتماعية ملفتة، وهي احتفاؤنا بالـ«د» التي تسبق أسماء من نالوا شهادة الدكتوراه في أي فرع من فروع العلوم على اختلافها

الاثنين - 05 يناير 2015

Mon - 05 Jan 2015

تقليد شاع في مجتمعنا حتى كاد يكون ظاهرة اجتماعية ملفتة، وهي احتفاؤنا بالـ«د» التي تسبق أسماء من نالوا شهادة الدكتوراه في أي فرع من فروع العلوم على اختلافها.
وما يدهش حقا في هذه المسألة أن المجتمع يعطي أو يمنح تكريما لحامل هذه الشهادة، وأن هذا التكريم إنما يمنح للشهادة لا لصاحبها نظير فكره، ومع علمك التام بأن بعض هذه الشهادات مدفوعة الثمن، أو مشتراة ـ بفصيح العبارة ـ إلا أنها مع ذلك لا تعني أن حاملها بالحق هو الأكثر أو الأعمق أو الأصل تفكيرا، فهناك من لا يحملها ويبز حملتها علما وفكرا، ولنا في المفكر الكبير عباس محمود العقاد الذي لم يرتد جامعة ما، ورغم هذا كان من أكثر المفكرين ـ في عصره ـ تأثيرا، رغم معاصرته لمفكرين وكتاب ونقاد كبار من حملة الشهادات العلمية أمثال د.
طه حسين ود.
أحمد أمين و د.
زكي مبارك وغيرهم.
لقد حملها أولئك عن جدارة ولم يكن حقها، وحق كل شهادة سوى المساهمة في نهضة مجتمعهم ومشاركتهم الفكرية الصادقة في حل قضايا مجتمعاتهم، ولم يكتفوا بجعل شهاداتهم العلمية أدوات زينة ديكورية تعلق في صالونات ومجالس منازلهم.
وفي الحقيقة فإن فهمنا لوظيفة الجامعة والجامعيين الخاطئ هو السبب في هذه الظاهرة، إذ إننا ننظر للجامعة وكأنها بنية فوقية متعالية على المجتمع وعلى هموم المواطنين اليومية، مجرد قلعة منعزلة، متعالية، متنائية، لذا تجدنا نولي مبانيها ومنشآتها أهمية تفوق المعقول، لأن الجامعة في نظرنا مؤسسة زينة جمالية بين مؤسسات الدولة، والواقع أن اهتمامنا وتركيزنا على مباني ومنشآت وأثاث الجامعة جعلنا نهمل محتوياتها الأكاديمية العلمية، وقد كتبت عن هذا القصور أكثر من مرة، وتكفي زيارة واحدة لمعامل جامعاتنا للكشف عن هذا الخلل، ويمكنك أن تسأل أستاذا بكلية تطبيقية عن عدد الساعات التي يقضيها في مختبر المادة التي يدرسها لطلابه، لتعرف حجم القصور في العملية التعليمية ـ جامعاتنا، وقد قلت أكثر من مرة إنها إذا كانت تتفوق على الجامعات العالمية المشهورة، فربما تتفوق في معمارية مبانيها وتكلفة منشآتها الباهظة وتكاليفها الإدارية المرتفعة العالية.
في حين أن التفوق الحقيقي للجامعة إنما يقاس بمدى ما تقدمه من خدمة للمجتمع، وجامعاتنا كما ترى لا مساهمة تذكر لها هنا، لأنها قلاع موصدة في وجه المجتمع، وعلى عكس الجامعات العريقة في الغرب لم تخرج من جامعاتنا أية حلول لأي من قضايا المجتمع.
لذا فإن الخارج من خلف حيطانها الإسمنتية يبدو للناس وكأنه زائر غريب من كوكب مدجج بحرف «الدال» المهيب، فإذا تحدث أنصت له الناس وأفسحوا له في مجالسهم، في حين أن ما في رأسه قد لا يختلف عن ما في رؤوس الحاضرين، ولربما كان أقصر قامة فكرية من بعض من لا يحملون مثل «داله».
وأغرب وأعجب ما نفعل أن جامعاتنا تلجأ إلى بيوت مراكز غربية متخصصة في تقييم الجامعات ودرجاتها بين الجامعات في العالم، فإذا ما أفلحوا في شيء فإنما يفلحون في محاولة تقليد جامعات الغرب، رغم الحقيقة البديهية التي تقول بأن درجة الجامعة إنما تقيم في الغرب بمدى خدمتها للمجتمع الذي توجد فيه، وأننا إذا أردنا أن نقدم شيئا يحترمه أولئك فإن الطريق إلى ذلك ليس عن طريق تقليدهم، وإنما بدراسة احتياجات مجتمعاتنا الحقيقية، والتي بالطبع تختلف عن احتياجات المجتمعات الغربية، ثم معرفة ومراعاة خصوصيات مجتمعاتنا الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، حتى تحقق برامج خدمة الجامعة للمجتمع النتائج المرجوة والمطلوبة.
وكذلك الأستاذ الجامعي، فإنه يستمد قيمته ومكانته في المجتمع بقدر مساهمته بفعالية في حركة مجتمعه نحو التقدم والازدهار.
ودائما أقول إن الدكتور الحقيقي هو الذي يشرف درجته ويرفع من قدرها، وليست هي التي ترفع من قدره ومكانته.
الشهادة يجب أن تتشرف بحاملها.
.
لا العكس.