صمت البنادق عن طيش الرصاص!
«تكفى يا سعد» قالها لابن عمه ليس استجداء لفزعته أو نخوة لوقفته، بل ليتوقف عن إزهاق روحه البريئة، فتمخر تلك الطلقة الغادرة أرواحنا وتمزقها ألما بدا على محيا كل إنسان يشعر، فهل آلمت تلك الطلقة بعض دعاتنا ووعاظنا وخطباء مساجدنا الأعزاء، هل شعروا بالذنب تجاه تلك الطلقة المجرمة، هل قرروا أن يخرجوا عن صمتهم المريب، ويحشدوا أصواتهم بكل قوة وقوفا في وجه هذا المارد البغيض المرعب، الذي تجاوز كل حدود المعقول واللامعقول في اغتيال الأنفس البريئة غدرا، حتى وصل الأب والعم والخال وابن العم
الجمعة / 19 / ذو الحجة / 1436 هـ - 15:15 - الجمعة 2 أكتوبر 2015 15:15
«تكفى يا سعد» قالها لابن عمه ليس استجداء لفزعته أو نخوة لوقفته، بل ليتوقف عن إزهاق روحه البريئة، فتمخر تلك الطلقة الغادرة أرواحنا وتمزقها ألما بدا على محيا كل إنسان يشعر، فهل آلمت تلك الطلقة بعض دعاتنا ووعاظنا وخطباء مساجدنا الأعزاء، هل شعروا بالذنب تجاه تلك الطلقة المجرمة، هل قرروا أن يخرجوا عن صمتهم المريب، ويحشدوا أصواتهم بكل قوة وقوفا في وجه هذا المارد البغيض المرعب، الذي تجاوز كل حدود المعقول واللامعقول في اغتيال الأنفس البريئة غدرا، حتى وصل الأب والعم والخال وابن العم. يغضب العاطفيون حين تقول إن خطابنا الديني يهيئ التربة الخصبة لبذر التشدد والتطرف، وأن مغالاة بعض الدعاة والخطباء في توصيف حال الأمة الذي لن يصلح إلا بالقتل والتدمير واعتلاء المشايخ للمناصب السياسية والقيادية في الأمة، وكأن هذه الأمة لا ينقصها إلا العنف، ثم يكون تعريج ذلك الخطاب على فساد المجتمع وتآمره على قيمه ودينه، ورضاه بالخنوع للحكام، وتجاوز أوامر الله عنوة، وموالاة الأعداء، حتى جردوا الناس من الإنسانية، ومن ينسَ خطاب الملك عبدالله يرحمه الله للمتشددين حين تمنوا تسميم الدماء وحقنها بالأمراض والمملكة تمد يدا بيضاء إلى إيران في زلزال (قم). وبذروا التصحر الإنساني في نفوس الناس حين تحل كارثة طبيعية بدولة في الشرق أو في الغرب، فيظهر التشفّي والفرح بمصاب الناس، والشماتة بهم، حتى صارت الأصوات الإنسانية المعتدلة في مجتمعنا نكرة، أو متهمة بالعمالة. لقد كثّف المتشددون خطابهم العنيف، وأوغلوا إيغالا عميقا في مسألة الخلافة في عقول النشء، فكان من السهل على داعش وغيرها أن تركب هذه الموجة، وقد هيأ الدعاة أدمغة النشء وأرواحهم إلى تقبل كل الأصوات التي أُقنعوا يوما أنها السبيل الوحيد إلى عودة الأمة إلى عزتها، وركزوا كذلك على الخطاب مشبوب العاطفة، بأساليب بكائية وزعيقية تؤثر في الصخر، فما بالك بغرٍّ صغير لا يعرف عن الحياة إلا أقل القليل، ولا يعلم أن معظم أولئك الدعاة لهم أطماعهم وقضاياهم وتوجهاتهم وتياراتهم وجماعاتهم الخاصة، وأنهم يبذلون كل ما في وسعهم لإقناع الآخرين بوجهة نظرهم، متجاهلين بناء الدول الحديثة، وأنظمة العالم، يجرون الأمة قسرا ويلوون عنقها إلى الماضي القديم الذي لن يعود أبدا. كلنا نعلم تصنيف كل من يخالف أقوال الدعاة، أو يشكك فيما يقولونه، واتهامه وبغضه من أطياف واسعة في المجتمع، لكن من يعلم سماحة الإسلام ومقاصده الكبرى، يدرك تماما أنه ليس دين قتل ولا ترهيب ولا إكراه، في حين يكرّس بعض المشايخ الضد، حتى وصل العتو بأحدهم أن يرى الملائكة تقاتل إلى جانب بعض الثائرين العرب، في تكريس لتجييش عواطف الشباب واستغلالهم فيما يدعو إليه، ملغيا عقول الناس. ومن زاوية أخرى نسمع بعض الأصوات تحاج وتشكك في تسبب الخطاب الديني الغالي في خلق بيئة قابلة لأفكار التطرف، ويتمثلون بفلان وفلان وأسماء كثيرة من أبناء المجتمع، متناسين أن لكل ذات حياة مستقلة، فإن تشابهوا في تلقي خطاب العنف في المدرسة أو المسجد أو حلقة التحفيظ أو المخيم الدعوي، فهم لا يتشابهون في الأسر، فثمة أسر معتدلة وذكية، تنقض ما يتلقاه الأبناء فيذبل ويموت، وهناك أسر أو أصدقاء على النقيض، يعززون تلك الأفكار، وتظل كامنة في أرواحهم حتى يكتب الله لها أن تنفجر، ولا ننس اختلاف الشخصيات في تلقي الخطاب ودرجة التأثير، ثم إنه لا يتشابه جميع أبناء المجتمع في تصديق الأفكار، وتقبلها كما تعلمون. ليعلم المتشددون أننا جميعا نعتز بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمن ابتغى العزة في غيره أذله الله». فعزتنا بهذا الدين تفوق غايات بعض المسيسين منهم، وتفوق سذاجة بعضهم، فنحن جميعا دعاة إلى هذا الدين القويم، لكن أساليبنا وطرقنا تختلف، ولو أدركوا هذا لركزوا على الخطاب الإصلاحي داخل المجتمع، الخطاب الذي يكافح تنامي الفساد والغش وقطيعة الرحم والكره والحقد وتدني الأخلاق والظن الآثم والتصنيف والشماتة، ولما أشغلوا المجتمع بخطاباتهم الثورية التي تقسم الأمة، وتقصي سماحة الإسلام، وتغفِل أن يكون المسلم سفيرا لدينه بتعامله، كما كان تجار المسلمين في إندونيسيا وأفريقيا. حارب المتشددون الكثير من قرارات الدولة التي أيدتها فتاوى هيئة كبار العلماء، وأشاعوا بمخالفتهم مخالفة الدولة لهم متجاهلين المقاصد والغايات، فأوغروا صدور الكثيرين بأخذ مواقف سلبية ضد بلادهم، سواء أكانت مواقف صامتة تمور في الذات وتشوه كل بياض للوطن، أو مواقف معلنة اتخذت العنف اللفظي أو الجسدي طريقا للتعبير عنها، وليتهم أي (المتشددين) اتخذوا مواقف قوية ومشابهة لمحاربة الفكر المتطرف الذي يتربص بالأبرياء والوطن والدين.