الرأي

رياضة المشي في بيئة ملوثة لا تفيد

المشي رياضة يحتاج إليها الجميع، خاصة كبار السن. وغالبا ينصح بها الأطباء مرضاهم الذين يعانون أمراض القلب والسكري وغيرهما، بل إنها تنفع كل من يمارسها بشكل سليم وفي بيئة نظيفة، وتصلح كذلك موضة لمن يعشق التقليد.

وفي دراسة أجراها باحثون من الكلية الملكية بلندن وجامعة ديوك في أمريكا على مرضى القلب والمصابين بالداء الرئوي الانسدادي المزمن، من كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم الستين، ونشرت نتائجها بداية العام الحالي بمجلة «The Lancet» العلمية، فاجأت النتائج الباحثين، إذ وجدوا أن التأثير السلبي لرياضة المشي في بيئة ملوثة شمل حتى الأصحاء في العينة الضابطة. وخلصت الدراسة إلى أن المكاسب الصحية التي تنال القلب والرئتين من رياضة المشي تتلاشى عند الجميع مع ارتفاع مستويات التلوث بالأدخنة والغازات التي تنطلق من عوادم السيارات والشاحنات. ووجدوا أن وظائف الرئتين تحسنت كثيرا ودام تحسنها في العينة لمدة 26 ساعة بعد مزاولة رياضة المشي في حديقة هايد بارك لمدة ساعتين، بينما تلاشت كل المكاسب الصحية مباشرة بعد التوقف عن مزاولة الرياضة على شارع أكسفورد المكتظ بالسيارات. وعانى المصابون بالداء الرئوي الانسدادي المزمن من زيادة في حدة ومعدل السعال وارتفاع في معدل كمية البلغم، ومن ضيق التنفس، خلال ممارسة الرياضة على شارع أكسفورد مقارنة بما رصدوه أثناء المشي في حديقة هايد بارك لنفس العينة.

وكانت أهم التوصيات من هذه الدراسة ضرورة ابتعاد كبار السن الذين يعانون من أمراض القلب وأزمات الجهاز التنفسي عن الأماكن التي ترتفع فيها حركة المواصلات وتزدحم بالسيارات والشاحنات عند ممارسة الرياضة.

وفي المجتمع السعودي شاعت رياضة المشي وأصبح مألوفا رؤية الذين يمارسونها في كل مكان. وشيدت الأمانات والبلديات أماكن عدة لمزاولة هذه الرياضة داخل المدينة، وأحيانا في أماكن قد لا تكون مناسبة لذلك. فالمشي قريبا من الطرقات المزدحمة بالسيارات والشاحنات يعرض الإنسان لاستنشاق الملوثات من غازات وأدخنة العادم، والتي تؤثر على مستوى أداء وكفاءة جهازه التنفسي. وعلى أقل تقدير، فقد تذهب بكل فوائد المشي على المدى القريب، كما قررت الدراسة. ولا يزال الجدل قائما بين المختصين على آثارها بعيدة المدى، خاصة إن تكرر المشي في هذه البيئات.

وهناك دراسة نفذت في مدن عدة بأستراليا، منها سيدني وملبورن، أكدت نتائجها علاقة ارتفاع تركيز ملوثات الهواء من العادم مع زيادة نسبة التعرض للذبحات الصدرية وأزمات الجهاز التنفسي ودخول المستشفيات. وتؤكد ذلك دراسة نفذها باحثون من جامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة ألباني بنيويورك، وجامعة بيركلي بكاليفورنيا على مدينة رابغ.

ومن المعروف أن غازات العادم من الآليات التي تستخدم الديزل أكثر ضررا على البيئة وعلى صحة الإنسان من قريناتها التي تستخدم البنزين، ويزيد في ذلك تدني جودة ومعدل صيانة أجهزة الاحتراق الداخلي فيها.

وتقضي مقاييس الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، كما في الكثير من بلدان العالم، بألا يزيد تركيز العوالق الدقيقة في البيئة الهوائية على 10 وبعضها 20 ميكروجراما - جزء من المليون في الجرام - في كل متر مكعب من الهواء. ولا توجد حاليا آلية لقياس تركيز هذه الملوثات في المناطق المخصصة لرياضة المشي في مدينة جدة مثلا.

يقودنا هذا إلى التعجب من اختيار أمانة محافظة جدة موقع مجرى السيل الذي يقع شمال شارع التحلية مكانا لبناء الممشى على الرغم من الكثافة العالية لحركة السيارات على جانبية، خاصة في الأوقات التي يخرج الناس فيها لمزاولة الرياضة، من الخامسة عصرا حتى التاسعة أو العاشرة مساء.

ربما لا يصلح الآن اقتراح الانتقال إلى مكان آخر، لكنه من المناسب أن نلجأ إلى حلول تخفف الآثار السالبة لحركة السيارات على صحة من يمارس الرياضة هناك. فيمكن منع الشاحنات والحافلات التي تستخدم الديزل من دخول هذه الشوارع أثناء الأوقات المحددة للرياضة، وزراعة الأشجار التي تمتص الملوثات أو تصدها، وهناك مرشحات يمكن تزويد المكان بها لامتصاص بعض الملوثات وإزالتها، كما يمكن وضع مؤشر لجودة الهواء على لوحات إرشادية تنذر المتواجدين عند ارتفاع مستويات التلوث.

ونذكر أن قسم العلوم البيئية في كلية الأرصاد والبيئة بجامعة الملك عبدالعزيز بصدد تنفيذ دراسة ميدانية لقياس مستويات تركيز الملوثات المختلفة في المواقع التي خصصتها الأمانة لمزاولة رياضة المشي في مدينة جدة، وإصدار مؤشرات لجودة الهواء فيها.