انشقاق التطرف.. وتشقق الاعتدال
لا يوجد ما هو مثير أو جديد عندما ينقسم التطرف إلى اثنين أو أكثر
السبت / 8 / ربيع الثاني / 1435 هـ - 17:15 - السبت 8 فبراير 2014 17:15
لا يوجد ما هو مثير أو جديد عندما ينقسم التطرف إلى اثنين أو أكثر هي سمة صاحبت كثيرا من الحركات الجهادية المتأثرة بالتيارات التكفيرية المعاصرة، بعضها تفرضها تكتيكات مرحلية، وبعضها فرضتها رؤى سياسية عامة، وبعضها نتيجة مواقف فقهية وتكفيرية معينة نواجه في هذه الأيام تمزق داعش التي ظهرت متأخرة في المشهد السوري بصورة مثيرة ومحيرة وأداء إعلامي بالغ السوء قدمت داعش خلال شهور معدودة ما لم يستطع نظام الأسد تشويه خصومه به خلال أربع عقود هل لا بد من حدوث انشقاق علني بين تطرف وآخر أشد تطرفا حتى تظهر الأصوات متأخرة بإدانة الأكثر تطرفا فقط؟!هل يرجى من أيمن الظواهري وجماعة البغدادي وأمثالهم أي إنجاز مفيد للشعوب، كيف يكسب الظواهري ثناءات في سياق الحديث عن التمزق الداعشي مع تاريخه المعروف، وكأنه لا يكفي ما قدمه هؤلاء من حماقات خلال عدة عقود من التخريب المستمر قبل المرحلة الأفغانية ومرورا بها وبعدها؟ تاريخ طويل من الأفعال والأقوال والممارسات المتطرفة كلفت العالم الإسلامي الكثير جريا خلف أوهام مفلسة خدمت الغرب والأنظمة أكثر من الشعوب الإسلامية ألم يكن الظواهري وجماعته من المشبوهين في تصفية عبدالله عزام في الثمانينات؟ لماذا لم يتوقف عند انشقاقات تلك المرحلة وخلافتها؟ كالعادة ضخم الخطاب الحركي المهتم بهذه القضايا التهم للموساد والمخابرات الأمريكية؛ لأنها غير مكلفة وأكثر فائدة من توجيه التهم ومسألة تصرفات التطرف والتكفير والتخوين الداخلي تناسى كثيرون أفعال وممارسات جماعة الظواهري، وتم التغطية على حقيقة ما هو موجود من تطرف وخلافات في تلك المرحلة قبل أكثر من عام كتبت مقالا في صحيفة الشرق، عن الوضع في جمهورية مالي، وبيان اتحاد علماء إفريقيا الذي جاء فريدا ولافتا في صياغته، وأعاد ضبط التصور للأزمة بعيداً عن الشعارات والكلمات الإنشائية والخطابية أعجبت كثيرا بهذا البيان الذي قطع الطريق على الأصوات الغوغائية، جاء في سبع صفحات، مع روح الإحساس بالمسؤولية والإتقان في الصياغة من النادر أن تخرج مثل هذه البيانات في أزمات كثيرة سابقة، حيث يغلب عليها طابع الموقف المباشر من خلال إدانة أو تحريم أو جواز أو حث على الدعم هذه المرة قرأنا بياناً متكاملاً في رؤيته للتطورات والجهود التي بذلت، وجاء بأسلوب يختلف عن السائد مما أربك كثيراً من الأصوات الحماسية ونجح في إغلاق فم كثير من المزايدين في الخارج قبل الداخل، لجعل مالي مسرحا لأوهام أصحاب الجهاد العالمي مشكلة هذه التنظيمات خاصة جماعة الظواهري ومن معه ليست جديدة، فلا يدخلون في قضية إلا أفسدوها، ولا يعملون إلا من أجل مصالح أحزابهم وحركاتهم، ولا يبالون بمصالح الشعوب فهم يعرفون أن وجودهم وظهورهم واستعراضهم بالبيانات المتلفزة بهذه الأساليب ليس من مصلحة الثورة السورية إقليميا وعالميا، ومع ذلك يمارسون «العباطة» الإعلامية والسياسية لماذا تتكرر الأخطاء في طريقة تقييم مناطق الصراعات والحركات الجهادية التي تظهر معها، فتبدو متأخرة وغير حاسمة في مواجهة أي تلاعب بالمفاهيم الدينية، لتمنع تسرب أي رؤى تكفيرية متطرفة، أو تضخم خيالات سياسية تستلم العقلية التقليدية لأفكار ومقولات قديمة تعيق الآخرين من المصارحة في تحديد الخطأ فورا، منها أنك لست من أهل الثغور، وأنهم أعلم بالظروف الميدانية منك وكأن ظروف الجهاد في تلك القرون الهجرية هي ظروف عصرنا نفسها بوسائل اتصاله وسرعتها كان وصول المعلومات والأخبار بحاجة إلى أشهر طويلة قد تتغير فيها موازين المعارك في هذا العصر قد تصل للبعيد عن الثغور وأكثر شمولية، ويرى الصورة بموضوعية أكبر إذا كان مطلعا ومتابعا بدقة كان العالم قبل عقدين محصورا بوكالات أنباء دولية، وقنوات وصحف موجهة تحتكر الخبر والمعلومة لقد انتهى ذلك الزمن، وأصبحت هذه الوسائل الإعلامية الكبرى نفسها تلاحق مقاطع اليوتيوب والتغريدات والبيانات من الانترنت وتصنع كثيرا من أخبارها وتقاريرها منها عندما يقدم أي تنظيم وحركة مقاطع وبيانات بصورة مستمرة مليئة بالكوارث السياسية والمفاهيم الدينية المغلوطة، لماذا لا تدان هذه السلوكيات مباشرة؟ التزكية هي التي بحاجة لتأن لمعرفة من خلف هذا التيار أو هذه الشخصية لأنها تحتاج زمنا أطول لاختبارها وتقييمها ربما لسنوات، أما إدانة السلوكيات الخاطئة والبيانات والمفاهيم التكفيرية والقتل باسم الدين فهذه تدان فورا وبقوة لدي تجربة في نقد التشدد وأوهام الجهاديين، واستقبال ردود الفعل منذ سنوات طويلة في ذلك الوقت واجهت صعوبات لتوضيح خطورة الميوعة في تحديد الموقف من السلوكيات العنفية والآراء المتطرفة، ومحاولة اللف والدوران في تلميع شخصيات كانت جزءا من مشكلات عالمنا العربي، وليست جزءا من الحل، وقد ثبت ضررها المدمر لعدة أجيال في العديد من المقالات حاولت مناقشة بعض الآراء المتحايلة في حسم موقفها من 11 سبتمبر منذ الأيام الأولى في لحظة كانت حتى صحافتنا، وكثير من كتاب الرأي في حالة ارتباك لأن البوصلة الرسمية ليست واضحة تماما مع مفاجأة حدث ضخم ومختلف واصل بعض الكتاب هواية المثقف العربي في الحديث عن غطرسة أمريكا للهروب من تحديد رؤيته القيمية للأشياء بعيدا عن الحسابات ولهذا فالموقف من العنف أخذ عدة مراحل، ويمكن تحديد كل مرحلة وأسباب تحولها كان المأزق في ذلك الوقت عندما تتحاور حتى مع أسماء معتدلة عجزت عن القطيعة مع الممارسة الخاطئة في لحظتها بدون تردد، هذه القطيعة لا تتطلب أن تكون فاشيا في مصادرة آراء الآخرين، والتلاعب بأقوالهم وتحميلها ما لا تحتمل وخطفها من سياقها، لأن الأخطاء المنهجية في تحديد الرؤى والأفكار المشوشة بين التراث وروح العصر، وضغط التخلف كافية بحد ذاتها لصناعة مفاهيم هلامية تنشد الاعتدال لكنها تصبح جسرا للتطرف لقد وجدت في تلك المرحلة كثيرا من الآراء والمقالات والحوارات واللقاءات الفضائية التي تسجل كنماذج من تشقق الكلام بالاعتدال الهلامي، وناقشت بعضها في حينها قبل أسابيع كان د عبدالله النفيسي ضيفا على برنامج لقاء الجمعة الناجح مع الإعلامي عبدالله المديفر، ومع كثرة اللقاءات مع النفيسي والذي لم يعد الآن بذلك الحماس للحديث عن تنظيم القاعدة، تمنيت أن يستحضر اللقاء شيئا من كلام النفيسي مع أحمد منصور على قناة الجزيرة بعد أكثر من 13 عاما عن تلك الأجواء الساخنة بعد 11 سبتمبر كان الحوار سيكون أكثر فائدة لو استعرض وراجع معه لغته التهويلية عن غزوة منهاتن، والتفخيمية لشخصية قائد التنظيم، وحديثه المسرحي عن الاستراتيجيات والمستقبل كمثقف كان لكلامه بريق مؤثر في مخيلة جمهور المنتديات والجهاديين!