الرأي

نقطة التحول

تسير الحياة لدى معظمنا على وتيرة واحدة، تمضي بنا الأيام في رتابة تدخلنا في دوامة الروتين ومنطقة الراحة في التعايش مع مختلف الأمور. هذه الرتابة وهذا السكون يطبقان كالكماشة على أحلامنا الطفولية وشغفنا المؤجل أو حتى المدفون.

وصل معظمنا إلى أن يكون نمط حياته مماثلا لمن حوله، وكأن أثر المجموعة وسلوك القطيع، كما يسمى في علم الاجتماع، قد تمكن منه، فلا تستطيع أن تتميز بإنجازاتك أو مساهماتك عن غيرك، ومن ثم تتقبل واقعك الآني ولا تحاول أن تغيره.

ما يميز العظماء أو كل من سطر لنفسه تاريخا مشرقا، أو إنجازا أو أثرا كبيرا أو صغيرا، هو نقطة تحول حدثت لهم واستدركوها ومن ثم صنعت الفارق لديهم في حياتهم. من يقرأ التاريخ والسير سيكتشف ما نعنيه.

سأسرد قصة لأحدهم عايشتها شخصيا، وبدأت أرى أثرها الإيجابي عليه وعلى من حوله. سأترككم مع القصة لتقرروا بأنفسكم هل ما مر ويمر به الآن يعتبر نقطة تحول إيجابي أم لا.

بدأت الحكاية في يوم 18 ديسمبر 2017، حيث نظم نادي خطابة باللغة العربية (توست ماستر) احتفالا باليوم العالمي للغة العربية. بالصدفة البحتة شاء القدر أن يتواجد هذا الشخص - الذي كان متمرسا وعاشقا للغة العربية - في مكان الاحتفال، وقرر أن يشارك في إحدى المسابقات التي نظمت خلال هذه الاحتفالية. شارك بالتحديد في فعالية «تحدي الفصاحة»، وهو تحد يلقي خلاله الشخص خطبة ارتجالية باللغة العربية الفصيحة لمدة دقيقتين، تسأله اللجنة القائمة على التحدي عن موضوع مفاجئ، ومن ثم يبدأ إلقاء خطبته أمام الجميع. أمر ليس سهلا على الإطلاق، حيث جاء الخوف من التحدث أمام الجمهور في مرتبة متقدمة على الخوف من الموت في استطلاع للرأي كما قرأت.

شارك كثير من عشاق اللغة العربية في ذلك اليوم، ولكن الإبداع فرض نفسه وفاز بجدارة، ولن أقول بسهولة حتى لا أبخس المشاركين حقهم. عرض عليه النادي المنظم للاحتفالية أن يكون عضوا فيه ويحضر اجتماعاته نصف الشهرية، وهذا ما كان.

داوم على الحضور وأصبح النجم المتألق الذي أضاف لنفسه وللأعضاء بشكل خاص والاجتماعات بشكل عام الرونق والإبداع باستخدام اللغة العربية الفصيحة في الخطب والفعاليات الأخرى التي تطرح في الاجتماع.

خلال 123 يوما فقط، وبالتحديد في 21 أبريل 2018، أصبح بطل المملكة العربية السعودية في الخطب الارتجالية، وحصل على المركز الثاني في الخطب المعدة مسبقا. هذا بالتأكيد يعد إنجازا كبيرا ومن الأرقام القياسية في هكذا إنجاز.

الارتجال من أصعب المهارات التي يعتبرها العرب من أهم صفات الخطباء والبلغاء والشعراء. قرأنا الكثير من القصص التي كان لأبطالها مهارة البداهة السريعة في الرد والارتجال عند المواقف الصعبة.

أي إنجاز وأي نقطة تحول بالنسبة لموهبة اكتشفت بالصدفة البحتة؟ ولكن يا ترى، هل هو يعتبرها نقطة تحول في حياته أم لا؟ هذا هو المهم.

نقطة التحول دائما ما ترسم مستقبلا مشرقا يترك أثرا إيجابيا رائعا على الشخص وعلى من حوله، بل وعلى العالم أيضا.

وقد ذكر صاحبنا أن المساندة الكبيرة له كانت من أقرب الناس له، زوجته التي لم تكل ولم تمل في مساندته برحلته الجديدة، القصيرة في زمنها، الكبيرة جدا في نتائجها. وقد قيل «وراء كل رجل عظيم امرأة».

ختاما، نقطة تحول ما قد تمر على الأغلبية منا مرور الكرام. هذا لا يلغي أن يكون لديك - عزيزي القارئ- نقطة تحول خاصة بك. يا ليتنا نراجع لحظاتنا الفائتة وننتبه للحظاتنا المقبلة، علنا نكتشف نقطتنا للتحول الإيجابي.

m.alnefai@gmail.com