بنية الجامعات ليست بنية جامعية
قبل سنوات قليلة كان لدينا شح في عدد مؤسسات التعليم العالي، وكان الموجود هو التعليم الحكومي وفي سبع جامعات ولمدة طويلة، ومن الطبيعي أن تكون الفرص محدودة أمام طلاب التعليم الجامعي الذين لا بد أن يجدوا مكانا في تلك الجامعات القليلة وقد كان لزاما عليها توفير التعليم العالي لشريحة كبيرة من الطلاب.
الثلاثاء / 24 / ذو القعدة / 1436 هـ - 13:45 - الثلاثاء 8 سبتمبر 2015 13:45
قبل سنوات قليلة كان لدينا شح في عدد مؤسسات التعليم العالي، وكان الموجود هو التعليم الحكومي وفي سبع جامعات ولمدة طويلة، ومن الطبيعي أن تكون الفرص محدودة أمام طلاب التعليم الجامعي الذين لا بد أن يجدوا مكانا في تلك الجامعات القليلة وقد كان لزاما عليها توفير التعليم العالي لشريحة كبيرة من الطلاب. ومع انطلاق الطفرة في تأسيس التعليم العالي وفتح المجال للتوسع في التعليم الرسمي والتعليم الأهلي صار لدينا في زمن قصير نسبيا أكثر من خمسين جامعة وكلية جامعية، وعمر هذه الانطلاقة لا يزيد على عشر سنوات. الأمر الذي جعل هذا الكم من مؤسسات التعليم العالي بكل أنواعه ومختلف تخصصاته يحتاج إلى نظرة ودراسة متأنية وتطبيق لمفهوم التخصصات التي توجد في كل أنواع التعليم العالي من حيث الاختلاف والتنوع والتميز في المستويات التي تقدمها الجامعات والكليات الجامعية، فطبيعة التعليم العالي أن تكون هناك فوارق ملموسة بين الجامعات والكليات وما دون ذلك من المستويات، ولا بد أن يكون هناك مستويات متفاوتة بين كل جامعة وأخرى، وهناك تخصصات تتميز بها كل مؤسسة تعليمية دون غيرها من مؤسسات التعليم العالي وهذا التمايز هو ما يدفع إلى التنافس من جهة، ومن جهة ثانية يعطي مساحة أوسع أمام الطلاب وقدراتهم ورغباتهم واستعداد كل منهم لما يستطيع أن ينجح فيه. تعليمنا الجامعي لا يحقق ذلك لطلابه ويواجه النمطية وتشابه التخصصات، حيث تأخذ كل جامعة خططها وبرامجها من خطط وبرامج جامعة أخرى حتى أصبحت الجامعات في كل ما تقدمه نسخا مكررة وبشكل باهت لا تمييز فيه ولا تجديد ولا إبداع والسبب هو التماثل فيما يمكن أن يتلقاه الطالب سواء كان بهذه الجامعة أو بتلك. ونحن نعرف لماذا حدث التهجين العجيب في التعليم العالي الذي لا أظنه يحدث مثله إلا عندنا، ذلك أن بنية الجامعات وطبيعة تشكيلها التي أحدثت في السنوات الأخيرة ليست بنية جامعية ولا تصور لوظيفة الجامعة وحيثيات إنشائها وموجبات تأسيسها، فكل شيء ممكن فيه الطفرة والتسريع إلا التعليم العالي الذي يحتاج إلى تدريب كوادره زمنا طويلا، ولا يمكن اختصاره باعتبار القدرة المالية وحدها. إذ إن ما حدث هو تحويل المسميات فقط وليس الرؤية العملية والتصور العلمي، ما حدث هو تحويل كليات المعلمين التي كانت منتشرة في كل المناطق وكان الغرض من إنشائها حاجة طرأت لوجود معلمين للمدارس الابتدائية وصممت برامجها على تلك الحاجة ومع أنها لم تفلح حتى في إعداد المعلمين الصالحين للتدريس وكانت مخرجاتها هي أسباب تردي التعليم العام وأسباب انتكاسته وبدل أن تلغى تلك الكليات الضعيفة قامت وزارة التعليم العالي بتجميع بعضها إلى بعض وإطلاق اسم الجامعة عليها بمعناها الحرفي وليس بوظيفتها العلمية والأكاديمية. هذه الجامعات أو بالأصح هذه الكليات المجمعة لا يمكن أن ينطبق عليها العرف العلمي ولا الوظيفة المهنية التي تقوم عليها سياسة الجامعة ورؤيتها وتقاليدها العلمية، ويجب أن تسمى الأشياء بأسمائها حتى لا تختلط علينا الأمور ونطلب منها غير ما أعدت له. ما يمكن عمله الآن وقد أصبح لدينا خمسون جامعة تستوعب عامة الطلاب هو رفع مستوى عدد من الجامعات القديمة في المدن الكبيرة ورفع نسبة القبول فيها، وأن يكون قبولها للمتميزين من الطلاب والطالبات، وأن توضع شروط عالية للقبول وتحدد أعداد المقبولين ولا تعطى الفرصة فيها إلا لمن يتجاوز امتحانات عالية المستوى، وتوجه هذه الجامعات في جل نشاطها للبحث العلمي والتخصصات المهمة.