المعرفة الروحية

عندما يفهم الإنسان نفسه أنه نتيجة لحركته الجسدية أو الفكرية أو النفسية فإنه يختصر نفسه كثيرا، حيث يتوقف عن فهم البُعد الأهم والأكبر في تكوينه، وهو حقيقته

عندما يفهم الإنسان نفسه أنه نتيجة لحركته الجسدية أو الفكرية أو النفسية فإنه يختصر نفسه كثيرا، حيث يتوقف عن فهم البُعد الأهم والأكبر في تكوينه، وهو حقيقته الروحية. ونتيجة تلقائية لهذا الاختصار الخاطئ تتشكل مصادر المعرفة لديه إلى ثلاثية محدودة بالمعرفة الإدراكية من خلال البدن والفكر والنفس. بيد أن الإنسان ليس هو مجموعة المدركات الحسية والتفكيرية والمشاعرية فحسب! إنه القدرات الهائلة والمتعددة والمتنوعة المتطورة واللانهائية التي تتصل عبر المعرفة الروحية بالمصادر الكلية. إن الإنسان يتعرض دائما لأسئلة وخواطر من داخله لا يجد لها جوابا في معارفه الفكرية ومناهجه الدراسية. وهذه الأسئلة إما أن تبقى مكبوتة تزعجه بضجيجها! أو أن تظهر في واقعه وتزعزع مجتمعه ومحيطه الثقافي. وفي الوقت نفسه يقف الإنسان على تحولات كبيرة وعظيمة في الوعي بما يخص الإنسان من خلال الطب والتشافي، فهو أمام فجر جديد سوف يجد فيه أجوبة لأسئلته التي لازمته طويلا. ومع وجوده وبهجته بهذه الأجوبة سوف يطلق أسئلة أكبر وأكثر عمقا. وهذه طبيعة العلم، فسبحان من (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) ولذلك يتحرك الإنسان في حياته الروحية اللامحدودة من خلال الحدس والإلهام ليصل إلى أبعد مما يفكر فيه أو يشعر به! إلى فضاء الإلهام الواسع الذي يتحدث بلغة السماء وعالم الملكوت. وكل ما هو مطلوب أن نصدق وعينا ونثق بحدسنا الذي كثيرا ما كان يرسل إلينا الرسائل الواعية التي لا يدركها العقل المحجوب بأفكاره المحدودة. ولم تفهمها النفس المحجوبة بمشاعرها الخائفة أو المترددة أو التائهة! كل ذلك لأن الحدس والإلهام لغة سمائية لم تتعرف عليها الإخفاقات والمتجسدات من خلال الألم والحزن. بل هي التي تحمل الآفاق المفتوحة والأسرار المذهلة للتشافي الروحي في البدن والفكر والنفس. ليتحرك اتجاه البوصلة إلى الشمال الصحيح في فهم التكوين الإنساني بقيادة الروح لمكوناته البدنية والفكرية والنفسية. وهنا وبهذه القيادة يمكن تساميه عن كل الأعراض المؤلمة والخروج عن كل الأفكار الآثمة والمشاعر السالبة. فالروح تعرف اللغة الجسدية وتفك شيفراتها. كما تعرف الروح التشكلات الأولى للأفكار والقناعات وما ينتج عنها من المشاعر والنفسيات. لقد حان الوقت في منطقتنا العربية للاهتمام بالوعي الروحي في التعليم. هذا الوعي الذي سوف يقضي على المادية الجافة في العلوم في وقت أخذ العلم نفسه في إثبات الحقائق الروحية. وليس المقال هو المكان المناسب لنقل البحوث والدراسات في ذلك، وكنت قرأت قريبا كتابين هامين في هذا المجال، أحدهما (الإثبات العلمي لحقيقة الظواهر الروحية) تأليف البروفيسور الدكتور (دين رادين) مدير مختبر أبحاث الوعي في جامعة نيفادا. والكتاب الآخر هو (حرب وجهات النظر العلم مقابل الروحانية)، وهو حوار بين رؤية روحية يطرحها الدكتور (ديباك شوبرا)، ورؤية علمية يطرحها الدكتور (ليونارد ميلوديناو)، وللدكتور محمد صادق العلوي كتاب (بحوث في المعرفة الروحية) جدير بالقراءة، وتذكر لنا المصادر أنه في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين كان في مصر (الجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية)! وأنا بهذا لا أدعو إلى تقليد أحد بقدر ما أدعو إلى تأسيس مراكز للوعي بالمعرفة الروحية، بديلا عن إهمالها أو مقاومتها. حتى إذا حدث نوع من إهمال أو مقاومة فليكن عن علم وبحث ودراسة نشارك فيها العالم أفضل من حالتنا المتفرجة أو المقاومة. ويجب أن نترفع بالوعي والمعرفة الروحية عن الدجل والشعوذة والمخادعة! التي تتجه إليها العقول الراكدة! إنما المعرفة في إطار العلم والدين فما يكشف عنه التقدم العلمي وتسنده استدلالات العلوم الدينية هو الذي سوف يحقق للإنسان كل الإنسان الخلاص من أزماته البدنية والفكرية والنفسية، ويجعله مستعدا لحياة يستحقها، جعلها الله له وسخرها من أجله. ولدينا في ديننا الإسلامي الكثير والعجيب مما نساهم فيه من المعرفة الروحية لخير البشرية كلها. وهذا هو هدف الإسلام وسر رسالته (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ). du7aim.m@makkahnp.com