أدونيس يعانق الفكرة والأصالة والحداثة داخل إطار تشكيلي
انصهار الكلام أما فيما يخص أدونيس الذي يمتلك في أعماله، موهبة التعبير بأكثر من وسيلة إبداعية، فإن الفكرة قد باتت تسيطر عليه لدرجة تجعله لا يكتفي بوسيط وحيد للتعبير عنها، فمع الوقت والخبرة باتت الحاجة ملحة لمعانقة الأدوات الإبداعية وانصهارها للتعبير عن رؤيته في لوحات مقروءة مرسومة في آن واحد
الثلاثاء / 11 / جمادى الآخرة / 1436 هـ - 22:45 - الثلاثاء 31 مارس 2015 22:45
انصهار الكلام أما فيما يخص أدونيس الذي يمتلك في أعماله، موهبة التعبير بأكثر من وسيلة إبداعية، فإن الفكرة قد باتت تسيطر عليه لدرجة تجعله لا يكتفي بوسيط وحيد للتعبير عنها، فمع الوقت والخبرة باتت الحاجة ملحة لمعانقة الأدوات الإبداعية وانصهارها للتعبير عن رؤيته في لوحات مقروءة مرسومة في آن واحد. ليس القلم أو الريشة وحدهما هما المؤثران اللذان يطالعهما الزائر لمعرض أدونيس الحالي والكائن في (جاليري عز الدين الآيا) في الدائرة الرابعة الشهيرة في باريس، بل أيضا هناك أسلوب عرض اللوحات على مساحة رحبة وتوزيعها على مسافات كافية لمنح الرؤية ما تحتاجه من تركيز وتأمل لكل ما هو بين السطور وتكمله انحناءات الخطوط سواء المكتوبة أو المرسومة، لهذا أتى أسلوب العرض متناغما، بقصد أو بدون قصد، مع إحدى لوحاته التي يبدأهاـ (خذ من نفسك مسافة نشاطك، وفرغ بالك لتصل لإجابات شافية). تعرجات الخط بشكل عام ومنذ أن طرح الشاعر لوحاته الأولى فالكتابة بخط عربي انسيابي واستخدام وسائل حداثية في الفن التشكيلي هما وسيلته للتعبير عن نفسه وأهدافه، وقد نجح في هذا بشكل كبير لأنه تمكن من جعل المتحيز لإبداعه من العرب أن يغوصوا في الحداثة التشكيلية حتى وإن كانوا ممن لا يهتمون بها. وعلى جانب آخر خاطب الفرنسيين والأجانب برؤية بصرية تعكس جمال الحرف العربي فباتوا وكأنهم يطالعون نوتة موسيقية يدركون بأحاسيسهم مدى روعتها لكنهم يعجزون عن عزفها أو قراءتها القراءة الصحيحة. واقعيا فإن زائر المعرض لا بد وأن يتماهى مع جمالين مختلفين حضاريا، هما الخط العربي والحداثة الفكرية التي تتجسد في رسوم داخل نفس الإطار الذي يحتوي اللوحة. على الرغم من تمكن الفن التشكيلي من أعماق أدونيس، إلا أنه سيبقى في أذهان جمهوره الشاعر الحداثي، ومن نفس المنطلق يسعى الجميع لمشاهدة لوحاته كشاعر وليس الفنان التشكيلي، فما الريشة بالنسبة لمتابعي أدونيس سوى عامل مكمل لرحلة إبداعية طويلة مرتبطة بالقلم أولا وأخيرا، ولكن المتأمل لأعماله الأخيرة المعروضة، يمكنه أن يؤكد أن الفن التشكيلي هو جزء لا يتجزأ من تكوين الشاعر الإبداعي وإن كان قد احتفظ به لنفسه طويلا. إنه ليس المعرض الأول للشاعر أدونيس، فقد سبقه معرض كبير في شهر نوفمبر 2000 ضم العشرات من اللوحات التي التقى فيها الشعر مع الفن التشكيلي للمرة الأولى في ذاكرة الجمهور حول أدونيس، غير أن أدونيس لم يقدم نفسه بشكل إبداعي مختلف منفرد بل بمشاركة الفنان الفرنسي كريستيان بوييه، ثم توالت مشاركاته في أكثر من معرض فيما بعد. أما هذه المرة فالمعرض الحالي الذي بدأ في 24 من الشهر الحالي ويمتد حتى العاشر من مايو المقبل، فيقدم فيه أدونيس لوحاته منفردا، وكأن الشاعر يريد أن يتلاقى وجمهوره كمبدع تشكيلي لديه القدرة على التميز كما في الشعر والكتابة، وهو ما يعني بالنسبة له تجسيدا لنفس الرؤية من خلال أدوات متعددة (القلم والريشة) وهذه قدرة لا يتمتع بها غالبية الشعراء، حيث تظل الكلمة هي وسيلتهم الوحيدة للتعبير عما يخالج أعماقهم.