زفاف...
من قلة القلة، سيدة بخلقها وإيمانها وحسبها، ما أصابها ألم أو مرض يصيح ويشتكي المصابون بأقل منه إﻻ زادها صبرا وصمتا واحتسابا
السبت / 1 / جمادى الآخرة / 1436 هـ - 10:30 - السبت 21 مارس 2015 10:30
من قلة القلة، سيدة بخلقها وإيمانها وحسبها، ما أصابها ألم أو مرض يصيح ويشتكي المصابون بأقل منه إﻻ زادها صبرا وصمتا واحتسابا. فشلت الخطوب أن تنطقها بما نطقت به أحوال كثيرين، فلم تردد «نفسي» كالذين زاغت نفوسهم وهلعت قلوبهم وجهلت عقولهم وقدموا صيحات أخراهم في دنياهم، بل كانت خلاصة قولها ومنتهى فعلها ومحور حياتها، أبناؤها وأحفادها وأحبتها، وعاشت تضحيات لغيرها كيانا من المودة والدعة، وملجأ وحضنا لهم، تعطي وتؤثر على نفسها. صمدت بكنز القناعة الذي افتقده سواد الناس، ولم تبال سوى بالبذل لمن أحبتهم وأحبوها، تتنفس السلام وتنفثه طيبتها في كل من تقابل، حتى آخر أنفاسها جعلتها حثا على الحب والصلة والتسامح، وآخر حركاتها كانت توحيدا لمولاها وتلبية صامتة لدعوته، رافعة سبابتيها رغم احتضارها وغيابها. انتبهنا من غفلتنا وسط زحمة أوهامنا، أفقنا لننطلق بقلوبنا وبأجسادنا، نريد القناعة الغنية ونتشوف اﻻبتسامة الغامرة التي لم تفارق صاحبتها مهما تعاقبت المنغصات واشتدت المعاناة، اﻻبتسامة التي تهون بها عن زوارها ما يكدرهم من مصابها هي، فكأنهم يأتونها لتصبرهم وتسليهم ﻻ ليصبروها هم ويسلوها! يا للطمأنينة الرائعة! اليوم نصحو طالبين صوتها ولطفها لنفرح، قاصدين مجلسها وأنسها لنمرح، باحثين عن الروح الرقيقة التي لم تؤذ نملة قط، عن النفس الكبيرة التي تقبلت الجميع وأقبلت على الجميع وفاض حبها ولين حديثها على القاصي والداني، فإذا بنا ننقلب خائبين! كأن شجرة مع ما نال ومن نال منها ممتدة الظلال رطبة الجوانب طيبة الأريج دائمة الخضرة والثمار ألفناها عقودا وأحببناها مذ عرفنا دنيانا، كأنها اقتلعت بغتة. لكننا نبقى متأملين موضعها منا لنتذكر أمورا فلا نجزع، نتذكر بذور الحب التي ألقتها أينما حلت، وجذور البر التي مدتها، فنخاطبها أن اطمئني واهنئي وقري عينا فنحن بخير إرث منك نعيش، وبحسن وصيتك نظل متحابين متسامحين ومثلك مبتسمين، فرحين لما نعلمه من رحمن رحيم يعوضك الذي فقدته وافتقدته وزيادة أضعافا مضاعفة، في أسمى وأغلى وأعظم زفاف لك إلى ما أنت أهل له، إلى جنة الخلد أيتها الجدة واﻷم واﻷخت والصديقة المؤمنة، فأبشري فقيدتنا الحبيبة فاطمة بما ينتظر الصابرين، بالورود مع سميّتك رضي الله عنها على حوض أبيها عليه الصلاة والسلام، فكل من عرفك يبتسم ويرضى ويقول: اللهم وجبت! تبقين في المهجة نبضا دافئا مؤنسا، وعلى الألسن دعوات دائمة لك بالعفو والرحمات والغفران حتى نلقاك. ولله ما أعطى وله ما أخذ، والحمد له دائما وأبدا.