تفاعل

التمايز الفطري

التمايز الذي خلقنا الله به فريد من نوعه، في الأفكار، الأشكال، الثقافات والجنسيات، هذا الاختلاف هو نعيم من نعيم الله على الإنسان في هذه الأرض المباركة.

كل شخص في هذا الكون مميز ومهم وعنصر براق، يقول علي بن أبي طالب «وتحسب أنك جرم صغير ...وفيك انطوى العالم الأكبر».

كم هي المرات التي آمنا وسلمنا تسليما كاملا بالخليط البشري وما ينتج عن هذا الخليط من تنوع في جميع المواهب والمهارات والذكاءات ..ولهذا السبب لا توجد أوامر مطلقة في نظامنا، كل حسب قدرته وسعته.

يحكى أن والدا وبخ طفله ذات يوم على تأخره في الدراسة قائلا له:

«نابليون عندما كان في مثل سنك نجح إلى الصف الخامس بينما أنت إلى الآن في الصف الثاني من المدرسة، فـأجابه الطفل على البديهة، ولكن نابليون يا أبت عندما كان في مثل سنك أصبح إمبراطورا».

الرد من الطفل عفوي ويحمل الإيحاء غير المباشر بتقليد الآخرين وعدم معرفة واكتشاف الذات الداخلية وما تحمله من مواهب وقدرات ومميزات منفردة مختلفة كاختلاف أشكالنا من الخارج.

تستوقفني قصة معاذ الطفل الذي كنت معلمة له في مرحلة رياض الأطفال، صغيري معاذ كان طفلا انطوائيا، خجولا، قليل الكلام والمفردات، مما سبب له مشكلة اجتماعية مع أصدقائه داخل الروضة، كونت هذه الفكرة عن معاذ خلال شهر من بدء الدراسة، وفي مثل هذا الوضع يوضع الطفل تحت ملاحظة المعلمة كدراسة حالة، يفاجئني معاذ ذات يوم في درس الرياضيات وأثناء انشغال الأطفال بكتابة الأرقام، حيث كان يجلس بجانبي، فتح كتاب التمارين الصفحة الأخيرة وقام بحل جميع التمارين المتعلقة بعملية الجمع وتسلسل الأرقام من 1 إلى 50 بشكل تصاعدي وتنازلي، بدون شرح مسبق، وبطريقة غير مباشرة أو لفظية يخبرني معاذ أن ذكاءه علمي وأن لديه تسلسلا منطقيا وفكريا، من هنا بدأت قصة التغيير للوقوف على هذه النقطة ودعمها لدى معاذ، والتي من خلالها تطور اجتماعيا ولغويا حيث أصبح المعاون لي في فترة درس الرياضيات، وأصبح يتنقل بكل سعادة بين أصدقائه لمساعدتهم ولتكوين علاقات جيدة بكل ثقة، أطلقنا على معاذ بالروضة «الخوارزمي معاذ»، هذا الإيمان بموهبة معاذ ومع تواصلي الدائم بوالدته أخبرتني أنه بالمرحلة الابتدائية أظهر تفوقا علميا واجتماعيا، نقطة التميز التي يمتلكها معاذ كانت سببا في انطلاقته.

إن الإيمان بهذا التمايز والاختلاف جعل من البحتري شاعرا، ومن سيبويه بليغا، ومن ابن خلدون مؤرخا، ومن جوبنز مخترعا، ومن شيكسبير كاتبا، ومن إنشتاين عالما.

الإنسان مثل الإسفنجة، منذ طفولته يمتص كل ما يحدث له، في مراحل الحياة، وبذات السنوات الأولى من حياته.

كم من المرات سمعنا «كن أو لا تكن؟ أنت لست مثل فلان، لا تكن مثل فلان؟ كن مثل فلان؟»، إنه الأسلوب الذي يوقف جميع مصادر الإبداع والتدفق والوفرة.

يقول الفيلسوف الفرنسي رينيه «أعطني امتدادا وحركة أصنع لك العالم»، ويقول أيضا: ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا.