عسرى!
سنابل موقوتة
الاحد / 8 / رجب / 1439 هـ - 20:45 - الاحد 25 مارس 2018 20:45
حين يتكلم الناس عن أحبتهم بعد أن يكفوا عن الوجود يكون كلامهم عاطفيا، قريبا من القلب، بعيدا عن العقل، ويبدو المنطق ـ إن حضرـ كائنا غريبا في تلك الأحاديث، ولذلك يبدو من الصعب أن أبدو مقنعا حين أقول بأنها كانت مختلفة، فالناس جميعهم يقولون عن أحبتهم كلاما جميلا بعد الرحيل.
لكن الحقيقة أنها كانت مختلفة، وحتى حين أتحدث عنها بمنطقية فإن حديثي سيبدو عاطفيا لا علاقة له بالعقل.
أظنها رحلت سعيدة راضية مبتسمة أيضا في آخر فصول الرواية التي لم تكتب، مع أن بداية القصة لم تكن كذلك أبدا. كان الوجه البشع للحياة هو الذي استقبلها، فكان أول شيء تعرفه هو اليتم المبكر، ثم كبرت قليلا فواجهت الغربة، ثم العمل ومغالبة الدنيا من أجل البقاء، ثم المسؤولية عن تربية إخوتها الجدد، ثم حين كبرت بما يكفي لتفهم وتستوعب كان الجحود والنكران هما وجه الحياة الجديد الذي يجب عليها أن تألفه وتتعايش معه. حين كانت طفلة كانت الحياة هي لعبتها التي تنكسر دوما في يديها كما تفعل كل لعب الأطفال، ثم حين كبرت صارت الحياة هي بضاعتها التي توزعها على الآخرين. وهي طفلة كانت قسوة الحياة هي عنوانها ومقر إقامتها، ثم كبرت فأصبحت ملامحها هي عنوان المقر الدائم للسعادة والبهجة والأمل بأن غدا دوما أفضل، وبأن ما تخفيه الأيام أجمل مما قد أظهرته.
ثم رحلت «عسرى» بعد صراع قصير مع المرض وصراع طويل مع الحياة، لكنها رحلت سعيدة. وهذا ما تعودت عليه وعودت عليه كل من أحاط بها، كانت تجيد بمهارة الحث على التفكير في النهايات السعيدة، مهما كان بؤس البدايات. كانت مركزا للطاقة الإيجابية لم يفلت من تأثيره كل من اقترب منها. كانت أما لكل من عرفها. وكانت «أمي عسرى» هي جملة التعريف التي يستخدمها أغلب كل من عرفها.
وعلى أي حال..
قد يبدو الأمر غريبا حين أحدثكم عن إنسانة لا تعرفونها، لكنها من قلة لا أستطيع تجاوز فكرة رحيلهم، وأن الحياة أصبحت فجأة خالية منهم، وفي حياتكم أيضا لا بد من وجود أشخاص استثنائيين، عرفوا الحياة على حقيقتها وتعاملوا معها بالطريقة التي تستحقها، ثم رحلوا عنها وهم سعداء، كانت الحياة بالنسبة لهم مرحلة موقتة، والأشياء الموقتة لا تهزم من عرف حقيقتها مهما بدت قاسية ومؤذية، وفي حياة الناس العاديين كثير من القصص التي لم يكتب لها أن تعرف وتنتشر وتقرأ وتخلد في التاريخ أكثر مما تفعل رواية عظيمة لم تقع أحداثها يوما إلا في خيال المؤلف.
@agrni
لكن الحقيقة أنها كانت مختلفة، وحتى حين أتحدث عنها بمنطقية فإن حديثي سيبدو عاطفيا لا علاقة له بالعقل.
أظنها رحلت سعيدة راضية مبتسمة أيضا في آخر فصول الرواية التي لم تكتب، مع أن بداية القصة لم تكن كذلك أبدا. كان الوجه البشع للحياة هو الذي استقبلها، فكان أول شيء تعرفه هو اليتم المبكر، ثم كبرت قليلا فواجهت الغربة، ثم العمل ومغالبة الدنيا من أجل البقاء، ثم المسؤولية عن تربية إخوتها الجدد، ثم حين كبرت بما يكفي لتفهم وتستوعب كان الجحود والنكران هما وجه الحياة الجديد الذي يجب عليها أن تألفه وتتعايش معه. حين كانت طفلة كانت الحياة هي لعبتها التي تنكسر دوما في يديها كما تفعل كل لعب الأطفال، ثم حين كبرت صارت الحياة هي بضاعتها التي توزعها على الآخرين. وهي طفلة كانت قسوة الحياة هي عنوانها ومقر إقامتها، ثم كبرت فأصبحت ملامحها هي عنوان المقر الدائم للسعادة والبهجة والأمل بأن غدا دوما أفضل، وبأن ما تخفيه الأيام أجمل مما قد أظهرته.
ثم رحلت «عسرى» بعد صراع قصير مع المرض وصراع طويل مع الحياة، لكنها رحلت سعيدة. وهذا ما تعودت عليه وعودت عليه كل من أحاط بها، كانت تجيد بمهارة الحث على التفكير في النهايات السعيدة، مهما كان بؤس البدايات. كانت مركزا للطاقة الإيجابية لم يفلت من تأثيره كل من اقترب منها. كانت أما لكل من عرفها. وكانت «أمي عسرى» هي جملة التعريف التي يستخدمها أغلب كل من عرفها.
وعلى أي حال..
قد يبدو الأمر غريبا حين أحدثكم عن إنسانة لا تعرفونها، لكنها من قلة لا أستطيع تجاوز فكرة رحيلهم، وأن الحياة أصبحت فجأة خالية منهم، وفي حياتكم أيضا لا بد من وجود أشخاص استثنائيين، عرفوا الحياة على حقيقتها وتعاملوا معها بالطريقة التي تستحقها، ثم رحلوا عنها وهم سعداء، كانت الحياة بالنسبة لهم مرحلة موقتة، والأشياء الموقتة لا تهزم من عرف حقيقتها مهما بدت قاسية ومؤذية، وفي حياة الناس العاديين كثير من القصص التي لم يكتب لها أن تعرف وتنتشر وتقرأ وتخلد في التاريخ أكثر مما تفعل رواية عظيمة لم تقع أحداثها يوما إلا في خيال المؤلف.
@agrni