جويني تهامة وحلم الهوية
الجمعة / 22 / جمادى الأولى / 1436 هـ - 15:45 - الجمعة 13 مارس 2015 15:45
جويني تهامة تطارد الهوية منذ 40 عاما
علي شراية - أضم «نجمع الحطب ونحيله فحما لنقتات بحفنة ريالات نكسبها منه»، بهذه العبارة المقتضبة لخص محمد علي سعيد جزءا من واقع سكان الجويني، وهم يصنفون من فئة البدون، ومعظمهم لديهم مشاهد لا تسهم في إنهاء معاملاتهم أو تسجيل أبنائهم لإكمال تعليمهم. الطريق إلى الجويني نحو 6 ساعات استغرقتها «مكة» للوصول إلى قريتي الجويني والحساني بين جبال تهامة، اللتين يسكنهما عشرات العوائل في عشش وأكواخ من جذوع الأشجار، إذ يتوزع الرجال طوال النهار على المرتفعات الجبلية لجمع الحطب فيصنعون بجزء منه منازل يسكنونها ويحرقون ما تبقى منه لبيعه كفحم بمبالغ زهيدة ليشتروا ما يطعمون به أبناءهم بعد أن تعذر حصولهم على أي عمل آخر. سكان القرية لا يملك أي منهم هويات رسمية ويحمل معظمهم مشاهد تثبت انتماءهم للمنطقة ولكن تلك المشاهد لا تساعدهم في إنهاء معاملاتهم الحكومية، ويطالبون منذ نحو 40 عاما بتحويل مشاهدهم التي منحتهم إياها الأحوال المدنية إلى هويات رسمية. الفقر والبطالة محمد علي سعيد قال في حديثه لـ»مكة»: نطالب منذ 4 عقود بمنحنا الهوية الرسمية بدلا من المشاهد التي لا تسهم في حل أي من مشاكلنا اليومية، ونحن نعاني الأمرين لإنهاء معاملاتنا ولا نستطيع العمل، وأبناؤنا لا يكملون دراستهم في الجامعات أو الكليات، مضيفا، صدر أمر وزاري بمنحنا الحق في العلاج في مستشفى أضم العام وتعليم أبنائنا في مدارس المنطقة ولكننا لا نستطيع عمل أكثر من ذلك، تقدمنا بعدة طلبات إلى الجهات المعنية لحل قضيتنا المعلقة وتم تشكيل عدة لجان زارتنا في القرية وعاينت أوضاعنا ووعدت بالحل. وبين سليمان هندي أن ابنته حصلت على نسبة 99% في الثانوية العامة ولكنها لم تستطع إكمال دراستها لعدم حملها الهوية الوطنية، وأن عشرات من شباب المنطقة يعانون البطالة ولا يستطيعون عمل شيء لعدم حملهم الهوية الرسمية، فمعظم سكان القرية لا يحملون هويات ولكن لديهم مشاهد من مشايخهم، وأن 94 رجلا، يمثلون رجال القرية، تقدموا بطلبات للحصول على الهوية، مشيرا إلى أن أهل القرية يستبشرون بقدوم الجمعيات الخيرية وبعض أهل الخير الذين أسهموا في بناء بعض المنازل إذ يعدون العائل الوحيد لهم بعد الله في ظل قرار منع الاحتطاب. لا سبيل للتملك فيما لفت سليمان العدوان إلى أن سكان القرية يسجلون كل ما يحصلون عليه وسياراتهم بأسماء أصدقائهم وأقربائهم، فهم لا يستطيعون التملك والتحرك خارج المدينة، واستشهد بثلاثة شبان من أبناء المنطقة خرجوا إلى جدة بحثا عن فرصة عمل فقبضت عليهم الجوازات وأحالتهم للترحيل وتدخل شيخ القرية لإخراجهم، موضحا أن في القرية عشرات الأطفال والشباب يعيشون داخل العشش والمنازل الخشبية يتسامرون الليل ويقتاتون على كسرة من الخبز فيما يحمل أهلهم هم مستقبلهم. وتابع «منعت الجهات الأمنية جمع الحطب الأمر الذي شكل مشكلة جديدة، فالحطب هو زادنا الوحيد ومنه نبني بيوتنا، ويوجد في القرية معاقون من الأطفال وأيضا من فقد بصره من كبار السن». رحلة محفوفة بالمخاطر نحو 150 كلم يقطعها المسافرون على طريق قلوة المخواة المتفرع من طريق الساحل وهم في حالة رعب وخوف مما قد يصيبهم من عوارض في هذا الطريق المزدوج الذي تنتشر في أجزاء منه الجمال السائبة وبعض أنواع السباع المتوحشة. التعطل في هذا الطريق أشبه بالمغامرة خاصة في فترات الليل الأمر الذي حدث مع سعيد بالأحمر وصديقه علي الزهراني، اللذين تعطلت مركبتهما في الطريق حيث انبرى الزهراني «دائما ما نسير على هذا الطريق ونشاهد حوادث عديدة نتيجة ازدواجية الطريق والسرعة في التجاوز من بعض السائقين». وهنا علق صديقه بالأحمر «المرور بهذا الطريق دون دراية جيدة مغامرة محفوفة بالمخاطر، فعشرات الجمال السائبة تسير في الطريق، إضافة إلى الشاحنات وبعض العابرين من القرى على جانبيه، ولهذا نطالب بنشر دوريات أمن الطرق للحد من الحوادث». محمد العدواني من سكان مركز الجائزة الواقعة بين الليث والباحة أشار إلى أن الحاجة ملحة لإيجاد حلول لما يقع من حوادث مؤسفة بهذا الطريق يذهب ضحيتها الأبرياء، ونناشد المسؤولين بوزارة النقل بالبدء وبصفة عاجلة بتلك الوصلة التي تبلغ مسافتها 150كلم للحد من تلك الحوادث لا سيما وأن الطريق يرتاده المسافرون وتمر به عشرات الشاحنات والمعدات الزراعية. وضعهم قيد الدراسة بدوره، أكد محافظ محافظة أضم عبدالرحمن العدواني لـ»مكة» أن سكان الجويني لهم وضعهم الخاص وقضيتهم رهن الدراسة في وزارة الداخلية، وصدرت التوجيهات بتدريس أبنائهم، ومعالجتهم في مستشفى المحافظة، وتقديم الخدمات وبشكل دوري لهم، بمتابعة وتوجيه من إمارة منطقة مكة المكرمة. وحول كيفية تنقلهم وإنهاء معاملاتهم في المدن الأخرى أفاد بأنهم يملكون مشاهد من الأحوال المدنية، وعند سؤاله حول انتهاء تواريخها أوضح أنه عليهم التقدم للأحوال المدنية وتجديدها لحين الانتهاء من معالجة أوضاعهم، لافتا إلى أنه تم تقديم خدمات الكهرباء والماء إلى القرية، وتعميد باصات لنقل أبنائهم من وإلى المدارس. في انتظار الحل تبعد الجويني عن جدة نحو 350 كلم ومن الليث 130 كلم، وبعض سكانها لا يحملون ما يثبت هويتهم، وهم من إحدى القبائل في محافظة الدرب جنوب المملكة نزحوا إلى قرية الجويني منذ أربعين عاما، وتقدموا مرات عدة للجهات المعنية مطالبين بمعالجة قضيتهم على حد وصفهم.