غار حراء .. وغار ثور
عاصمتنا المقدسة مكة المكرمة – المدينة التاريخية الخالدة – مهبط الوحي ومنطلق الرسالة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والتي تنفرد وتزخر بأثمن كنوز الدنيا وأغلى آثار العالم وأعزها على نفوس المؤمنين وقلوبهم، أذكر منها اثنين فقط - على سبيل المثال وليس الحصر - «غار حراء، وغار ثور».
الجمعة / 22 / جمادى الأولى / 1436 هـ - 19:15 - الجمعة 13 مارس 2015 19:15
عاصمتنا المقدسة مكة المكرمة – المدينة التاريخية الخالدة – مهبط الوحي ومنطلق الرسالة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والتي تنفرد وتزخر بأثمن كنوز الدنيا وأغلى آثار العالم وأعزها على نفوس المؤمنين وقلوبهم، أذكر منها اثنين فقط - على سبيل المثال وليس الحصر - «غار حراء، وغار ثور». هذان الموقعان التاريخيان العظيمان اللذان كان لهما عظيم الأثر في تلقي الرسالة وانتشارها في أرجاء المعمورة، هذان الموقعان احتضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، معلم الأمة وهادي البشرية إلى طريق الخير. المعلَم الأول «غار حراء»، كان يركن إليه سيد البشر أجمعين الذي بعثه الله رحمة للعالمين يخلو فيه بنفسه، يرتبط قلبه بخالقه ومولاه يتعبده ويتأمل في كونه ومخلوقاته بعيدا عما كان يعبد قومه من الأصنام والأوثان، هذا المكان الذي غشاه جبريل عليه السلام ليثبت في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أول آية من القرآن الكريم «اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم». المعلم الثاني «غار ثور» الذي اختبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في طريق هجرتهما إلى المدينة المنورة «... إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ...». هذا الغار الذي حصلت فيه المعجزة الإلهية حيث عشش الحمام فيه وباض، وحاك العنكبوت خيوطه مغلقا فوهة الغار ليبدو مهجورا لم يطرقه أحد منذ زمن بعيد. أي كنز في الدنيا أثمن من هذين الكنزين؟ وأي أثر في العالم أغلى على نفوس المسلمين من هذين الأثرين؟ فليس غريبا أن يحرص ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين على اغتنام فرصة وجودهم في هذا البلد الأمين لزيارة كل المواقع المقدسة المرتبطة بتاريخ أمتهم الإسلامية المجيدة، وفي مقدمتها هذان الموقعان العظيمان والأثران الكريمان. ومن أبرز ما تحدث به ضيوف الرحمن الزائرون لغار حراء، هو التمني على حكومة خادم الحرمين الشريفين أن تيسر أيضا سبل الوصول إلى هذه الآثار الإسلامية الخالدة والقضاء على المخاطر التي يتعرض لها ضيوف الرحمن أثناء زيارتهم لها، وذلك بتشييد الطريق السهل الموصل لها وتوفير الخدمات البلدية والصحية والاتصالية، وكذلك دورات المياه النظيفة ومحلات بيع الوجبات الخفيفة، والمشروبات من العصائر والمياه .. إلخ. وفي هذا السياق تحضرني بعض المقترحات التي قد يكون من المناسب دراستها ووضعها في الاعتبار ضمن الدراسة التي تعدها الهيئة العليا للسياحة لاستثمار مناسبتي الحج والعمرة في السياحة العامة، فمن هذه المقترحات: 1 - دراسة تشييد طريق مسفلت ومريح إلى قمة جبل النور لتيسير زيارة ضيوف الرحمن لغار حراء والوقوف على مهبط الوحي على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 - دراسة عمل وحدات «تيليفريك» صعودا ونزولا من أسفل الجبل إلى قمته. 3 - تخطيط قمة الجبل وإقامة بعض المواقع الخدمية فيه من مكتب للبريد، وآخر للاتصالات، لأن الكثير من الزوار يتشوقون إلى بعث رسالة أو «كرت» من نفس الموقع إلى أهلهم وذويهم لما يعكس ذلك من آثار وجدانية روحانية في نفوسهم، وكذلك إجراء اتصالات هاتفية.. وفي هذا تسويق كبير للخدمات البريدية والهاتفية. 4 - إعداد دورات مياه صحية ونظيفة، ولا يمنع من استحصال رسوم رمزية لاستعمالها. 5 - إعداد محلات للوجبات الخفيفة والعصائر والمشروبات خاضعة لإشراف الجهات البلدية والصحية المختصة. 6 - إعداد محلات لتسويق الهدايا التذكارية المرتبطة بالموقع ومواقع أخرى من العاصمة المقدسة. 7 - عمل استراحات عامة يرتاح بها الزوار مزودة بالخدمات والمسطحات الخضراء. 8 - إقامة مكتب للتوعية والوعظ والإرشاد، ويختار له نخبة من الشباب الواعي القادر على الوعظ والإرشاد بالكلمة الطيبة والأسلوب المهذب والعبارة الشيقة لتصحيح معلوماتهم وتعريفهم بأهمية هذه الآثار بعيدا عن الخرافات والخزعبلات والمعتقدات الضالة التي يعمد إليها المرتزقة من أفراد الجاليات المنتشرة هناك. وما ينطبق على جبل النور وغار حراء ينسحب أيضا على جبل ثور وغار ثور، وغيرهما من المواقع الأثرية الإسلامية التي تزخر بها بلادنا الحبيبة. ويمكن أن يطرح هذا المشروع بأكمله للاستثمار لينفذ من قبل شركة استثمارية كبيرة «وطنية أو أجنبية» على أن تستفيد من مردوده لعدد محدد من السنوات ثم تؤول ملكيته للدولة ممثلة في الهيئة العليا للسياحة والآثار، أي مردود مادي ضخم سوف يضخه هذا المشروع على الدخل القومي للبلاد، وتنشيط الحركة الاقتصادية الوطنية في هذا البلد الأمين. والمتتبع لتاريخ الصناعة السياحية في العالم يلحظ أن التوجه السياحي للشعوب من حيث الإقبال والإدبار تتقلب مواسمه بحسب الموقع، والرغبة الفطرية لدى السواح في التغيير واكتشاف الجديد.. أما بالنسبة لواقع بلادنا التاريخي ومستقبلنا السياحي فالوضع مختلف.. فالإقبال ممتد والازدياد مطرد ومستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تظل مهوى الأفئدة، استجابة لدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام «... فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ...». بمعنى أن التسويق السياحي في هذه البلاد سوف يظل ينمو ويتطور ما دام هذا البيت العظيم قائما، ومناسبتا الحج والعمرة مستمرتان، مع توفر الطموح والتطلع لدى القائمين عليهما من أبناء هذا البلد الأمين. وإن اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بالصناعة السياحية، وتأسيس الهيئة العليا للسياحة لم يأت من فراغ، وإنما من بصيرة ثاقبة بإمكانية توظيف مناسبتي الحج والعمرة في تسويق المواقع السياحية والتاريخية والأثرية لإنعاش الاقتصاد الوطني وإنماء رفاهية البلاد والعباد، وذلك من خلال التأطير العلمي الواعي في تسويق الخدمات الاجتماعية، الترفيهية، التجارية، والثقافية في منظومة سياحية تكاملية ترتبط ارتباطا قويا.