روح الإنسان وروح العمل

في كثير من الأحيان لا تواجهك صعوبة في القوانين أو الأنظمة، أو في تفسيراتها ولوائحها التنفيذية. لكن الصعوبة التي تقف عائقا أمام تحقق المصالح

في كثير من الأحيان لا تواجهك صعوبة في القوانين أو الأنظمة، أو في تفسيراتها ولوائحها التنفيذية. لكن الصعوبة التي تقف عائقا أمام تحقق المصالح وتيسير الحاجات هي إشكالية الإنسان الذي يباشر العمل ويتولى إدارته أو تنفيذه. وقد تعجز نظم الإدارة وقواعدها وتطويراتها ودوراتها وبرامجها عن حل هذا الإشكال! إذ إنه متعلق بوعي الإنسان النفسي والفكري الذي يجعله متجاوزا أزماته وأمزجته. كما يواجه الإنسان إشكالية مع نمط العمل وبيئته، وثقافة المهنة والثقافة المجتمعية حولها. أمام كل ذلك وما شاكله يجب أن ندرك أن ثمة ما هو أعمق من المعلومات التي يأخذها الإنسان حول العمل الذي يقوم به، أو المهنة التي يحترفها. إنه الروح التي في الإنسان والتي تنعكس على العمل. وبموجب الانعكاس صح لنا القول بأن للعمل روحا. وهو ما يجعل الإنسان يتألق في عمله ومهنته وتتحقق له البركة والنمو والتطور. وحين يفقد العمل روحه فليس ذلك إلا لفقد الإنسان للروح التي يعمل من خلالها والتي تلهمه حكمة العمل الجميل والأداء المتقن. لقد جرب الإنسان كثيرا أن يتطور بناء على الدوافع الخارجية من الحوافز والتشجيعات التي يتلقاها أو تخبره بها مسيرة العمل ورحلته الوظيفية. لكنه ومع كل ذلك أصبح في حالة من الملل وبطء الحركة. بدأ يشعر بذلك أكثر من ذي قبل لأن العصر الذي نحن فيه يعمل بإيقاع متسارع ومتقارب، فكل شيء فيه له ذبذبة متصلة بعالم التغيرات والتحديثات العالمية الكبرى. وهذا ما يجعلنا أمام وعي جديد يجب أن يأخذ طريقة للمنظمات والأفراد. وهو ما يسمى بالقيادة الروحية للعمل. وهو أسلوب قيادي ريادي له قوانينه وقواعده كقانون الحركة أو الذبذبة، وقوانين الرغبة والإيقاع والتوافق والسبب والمسبب وغيرها، لتنتج عن ذلك طريقة مختلفة من التفكير الذي يأخذ بأبعاد الإنسان كلها ويخلق فيه ومن خلاله التوازن والقدرة الفائقة على العطاء، ويحصل على التبادل الروحي والانعكاس الذوقي بينه وعمله ومهنته. وبالفعل فقد بدأت شركات عالمية كبرى في تبني أسلوب القيادة الروحية ومبادئها في إدارتها. إذ لا يكفي لوجود هذا الوعي أن يقدم كنصائح أو دورات تدريبية للأفراد فقط. فالمؤسسة والبيئة التي تتبنى قيم الروح هي القادرة على جدارة الاستحقاق لتكثيف معاني الوعي الروحي في إدارتها وأفرادها ومنتجاتها. وسوف يكون لديها الفرصة المفتوحة للتطور والنمو حيث ستتحول إلى مستقبِل لذبذبات التحول والتطول والفاعلية العالمية دون مقاومة بيروقراطية إدارية، أو كسل بشري في مواردها. وهي دعوة لأن نفكر مبكرا في دخول هذا الأسلوب إلى عالم الإدارة وبيئات العمل في كل قطاعتنا المنتجة للموارد البشرية والمشغلة لها، عسى أن يرتقي ذلك بأسلوب الأداء ويحترم الإنسان وجهوده، ويقلل من المخاطر النفسية والفكرية التي تصيبه. كما يقلل هذا الأسلوب والتفكير الجديد من الهدر والخسائر المالية والمادية. وبمعنى روحاني تنزل بركة السماء على أهل الأرض وأعمالهم، ويجعل الله الخير في حركاتهم، وما سينعكس بعد ذلك على صحتهم وسعادتهم. وبالتالي مساعدتهم على إبداع حظهم والتزامن مع الوفرة الكلية التي جعلها الله في الحياة بدلا من استهلاك قدراتهم الجسدية والتفكيرية والنفسية وتحويلهم إلى هامش الحياة كضحايا للظروف التي يصنعها الإنسان لبني الإنسان. المبشر أن هناك قوة إلهية عظمى وإرادة ربانية جميلة تجلت في هذا العصر تجعل الإنسان باحثا عن حقيقته ليتخلص من رق الامتلاك وشرور الاستعباد. وقد صاحب ذلك وعي علمي بقدرة الحالة الروحية للإنسان على الإبداع والتشافي والتواصل مع كل القدرات التي جعلها الله مسخرة للإنسان ومتناغمة لخدمته. وصدق الله وله الحمد (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، وسيكون عالم الإنسان توافقا وتواصلا بين ممكناته ومسخراته ليبدع إنسانيته الكريمة لكل الوجود.