كل عام وأنتم بخير

 

ومر بحمد الله عام على صدور صحيفة 'مكة'.. بعدما أصبح لمكة المكرمة، ولأول مرة، صحيفة ورقية تحمل اسمها.. بكل جلاله ووقاره وقدسيته وروحانيته.. وبكل ما يعنيه من تاريخ وذكريات، أطرت للدنيا نهج الخير والمحبة والسلام، مذ أن أمر الله خليله إبراهيم وولده إسماعيل، عليهما السلام، ببناء بيت الله الحرام في بلد الله المحرم، فبنياه ورفعاه وطهراه للطائفين والقائمين والركع السجود. وانطلقت دعوة إبراهيم: «رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون». وأتم الله نعمته على مكة المكرمة.. فأهداها دعوة إبراهيم وبشارة عيسى، عليهما السلام، نبيا بعثه خاتما لرسالات السماء إلى الأرض، ورحمة للعالمين.. ورسولا للناس كافة.. فقال صاحب الخلق العظيم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ولم يقل، عليه صلاة الله وملائكته وسلام الناس أجمعين، إنما جئت بالدين.. وقد جاء به.. ولم يقل جئت بخاتمة الرسالات.. وقد نزلت عليه.. بل قال «أتمم مكارم الأخلاق».. فأقبل على دعوته كل أصحاب الخلق، وقد كانت للجاهلية أخلاق لم ينكرها عليهم، تماما كما جاءه كل من شرح الله صدره للإسلام.. وانطلقت من حراء دعوته وكانت «اقرأ» هي البداية.. وكان عدم علمه بالقراءة والكتابة المعجزة الموصلة للغاية، أن القرآن كلام الله، ليدحض الله ما قد يقال وقد قيل.. علمه فلان أو أنه شاعر، فأراده ربه أميا يتيما ليعلم الخلق أن الله معلمه وأنه هو كفيله وهو ناصره.. وانطلقت أنوار الإسلام بعد هجرته الشريفة إلى مدينته المنورة، وانتشر الهدى في كل مكان.. وعاد إلى مكة فاتحا.. وولاه ربه القبلة التي ارتضاها..فولى وجهه شطر المسجد الحرام.. وولت الدنيا معه إلى البيت العتيق وجوهها.. وكم كنت أتمنى، وتيمنا بهذا الاسم المبارك، أن تحظى صحيفة مكة بشيء من هذه البركة وأن تجد لها في قلب كل من يحب مكة مكانا، والدنيا، بحمد الله، كلها تحب مكة، بل وتهواها وتهوي أفئدتها إليها. ولكن علينا الاعتراف بأننا نحن من قصرنا.. رغم محاولات البداية الجادة.. ورغم كل التصورات التي سبقت الإصدار الأول.. ولكن.. والحق يقال إننا اخترنا اسما للصحيفة باركه الملك - رعاه الله وأتم عليه موجبات الصحة التامة -، فهو رجل عاشق لمكة بحكم فطرته، وعاشق لها بحكم فطنته، وعاشق لها بحكم قيادته للمملكة وللعالم الإسلامي، بارك الله فيه وحفظه. وإن كنا قد وفقنا في تحقيق جزء من هذا الحلم، إلا أننا نرجو الله ثم نرجوك عزيزي القارىء أن تمد بيننا جسور تواصل تُسرع بنا في الوصول إلى بقية الأجزاء. أعلم أن تحقيق الأحلام لا يتم دفعة واحدة.. خصوصا ونحن نتحدث عن صحيفة ورقية، في زمن يحتل فيه العنصر الالكتروني معظم العيون والعقول، خاصة الشابة منها، ولكني ما زلت أثق في تلك العادة الحميدة التي جبل عليها جيلي وأجيال منه قريبة سابقة ولاحقة.. خاصة مع ازدهار صناعة القهوة على الدوام. وأرجو أن يكون قارئي العزيز قد لمس أو لمح شيئا من تطوير كنا نتمناه شاملا.. ولكننا نسعى إليه جادين، بحول الله.. ذلك أن مكة تستحق منا كل جهد وكل إخلاص يتلاءم مع مكانتها في كل القلوب ومع بهائها في كل العيون.