داعية مبشر وداعية تبشيري

الفرق بين الدعوة والتبشير كبير جداً، وفيه خفاء شديد، وكلمة التبشير أصبحت في مجال نشر الفكرة والدين كلمة سيئة السمعة، لأنها عادت سمة للتنظيمات الدينية والفكر السياسي الديني، والمنظمات العالمية المسيحية وغيرها

الفرق بين الدعوة والتبشير كبير جداً، وفيه خفاء شديد، وكلمة التبشير أصبحت في مجال نشر الفكرة والدين كلمة سيئة السمعة، لأنها عادت سمة للتنظيمات الدينية والفكر السياسي الديني، والمنظمات العالمية المسيحية وغيرها وبتعبير أدق هي كلمة معناها الظاهر دعوة، ومعناها الباطن المكاسب والأهداف الخاصة، والذي يجعلها غامضة غير واضحة أنها تستخدم مفردات الدعوة وأسلوبها ومطالبها وأهدافها، ثم تتحول بعد ذلك بطريقة متدرجة إلى تنظيم وإعداد لأهداف جديدة وكلمة مبشر تأتي من نفس المصدر اللغوي للتبشير، ولكن في المصطلحات الفكرية تختلف الدلائل الوضعية بحسب التواطؤ على معنى من المعاني وعندها يتضح الفرق بين الدعوة والتبشير، وإليك زيادة بيان حتى يكون في يدك ميزان تعرف به الفرق بين المبشر والتبشيري -الداعية المبشر واضح النبرة قصير الكلام غير عابئ بالنتائج والمكاسب -الداعية التبشيري ملتوي الأساليب كثير الكلام صاحب حذر وتقية يخشى أن يفقد ودّ المدعو - الداعية المبشر يقدم دعوته ويذهب ولا يتكلف البقاء أو التردد على المدعو جاثماً على صدره من حين لآخر -أما التبشيري فيجعل من المدعو جزءاً من برنامجه ويكثر التردد عليه ويتوخى الإغراءات والأمور الجاذبة للمدعو - المبشر يتكلم دائما في الوعظ والأخلاق والنفس والتربية والحلال والحرام والصلاة والصيام وقيام الليل والإصلاح الاجتماعي - أما التبشيري فيتحدث عن الأمة وأحوالها واليهود والنصارى والعلمانيين والشيعة والصوفية وفساد الأنظمة وأخبار الساعة والأحداث الأخيرة هذا على الأغلب - الداعية يحذرك من نفسك ومن ذنوبك، والتبشيري يحذرك من الناس ومن الدولة ومن المجتمع - المبشر يهدي إليك هدية كي تحب الله ورسوله أكثر وتحب المسجد والقرآن والتوبة والناس - أما التبشيري فيهدى إليك هدية تحمل رمزاً خاصاً إما لفكرة ما، أو لشخص أو لطائفة - المبشر يدعوك إلى الله لا يريد منك شيئاً -التبشيري يدعوك (إليهم) ويريد منك كل شيء، واكتب تحت إليهم ما شئت من الخطوط هل كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مبشرا أم تبشيريا؟لو كان تبشيريا على المعنى الذي نريده هنا لما أذن لليهود بالمواطنة في دولة الإسلام أعزة كراما بالمدينة ولو كان تبشيريا لما قبل وجود المنافقين المتربصين برغم خطرهم على الدولة والمجتمع التبشيري يظهر منه حسن الخلق والوداعة والصبر على المخالف وعلى الهوان والإهانة حتى يتمكن فإذا تمكن تحول إلى طاغية لا يأذن بما يخالفه لقد كانت الصليبية تبشيرية تحمل الموت الزؤام، وكانت الشيوعية تبشيرية تمددت في نصف العالم وأذاقته الويلات، وكان حزب البعث تبشيريا ثم حكم بالحديد والنار، وكانت التنظيمات الإسلامية تبشيرية ولم تستطع أن تتخلص من الاستبداد والأثرة وما كان النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم كهؤلاء أبدا، بل كان داعية مبشرا، وكان يأمر أصحابه قائلا: (بشروا ولا تنفروا يسروا ولا تعسروا) وكان رحمة للعالمين التبشيريون يريدون السلطة والزعامة والتحكم في الخلق، ولذلك تجدهم يشعلون الحروب المجتمعية والثقافية، وينعقون باسم الدين أو الحرية أو الفقراء أو أي شماعة أخرى يعلقون عليها مزاعمهم إلى حين غرة من المجتمع يسعون بكل قوة نحو اصطياد الفرص بأنواعها، يجدون في فضيحة شخص ما، فرصة للمساومة، وفي اضطراب الأوضاع فرصة لهم للقفز على كراسي المسؤولية، وفي الأحداث الخارجية فرصة للظهور واستعراض الزعامة والعلاقات والتأثير والمشاركة لجذب المعجبين في الداخل، وفي جلد المخالف فرصة للصوت العالي والغلبة والظهور إننا أمام ظاهرة هي أسوأ الظواهر التي تشوه الدين والفكر والثقافة والمجتمع هذه الظاهرة هي ظاهرة التبشيريين، ونحن بحاجة إلى جيل جديد من المبشرين الذين يحملون الحب والصبر والرحمة والصدق والعلم والقدوة، لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا، ممتثلين لقول الله حين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم :(قل لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الله)