العرب.. بين أمل الوحدة وواقع التقسيم
الاحد / 17 / جمادى الأولى / 1436 هـ - 12:15 - الاحد 8 مارس 2015 12:15
عنوان عبقري اختاره الأمير خالد الفيصل صاحب فكرة ورئيس مؤسسة الفكر العربي.. ليكون مظلة لمؤتمر المؤسسة الثالث عشر.. اختاره في أعقاب نهاية المؤتمر الثاني عشر.. وكم كان هذا العنوان ملهما ومحفزا، بث في نفوس مجلس الأمناء، وأنا في مقدمتهم، حماسة خلتها ستهدينا مؤتمرا نموذجيا يكون نقلة في عمل المؤسسة. وليس العنوان وحده سر حماستي، ولكنه الأمير الذي تشرفت بمزاملته في مواقع مختلفة باختلاف أطوار حياته وحياتي. وخالد الفيصل رجل وهبه الله هبات عديدة مكنته من رصد المشاعر، فهو رسام وأديب ومفكر وشاعر. قادر بحول الله على تحويل الأحلام إلى واقع عبر رؤية ثاقبة، وسعة أفق مدركة.. وهو ما تأكد لي من خلال عملي بالقرب منه لسنين في مجالات شتى، وبخاصة في مؤسسة الفكر العربي، والتي سعدت فيها مع الأمير أن أكون أحد المؤسسين.. وانطلقنا باهتمام لعقد المؤتمرات، وإصدار التقارير، وتبني المؤسسة لمشروع اللغة العربية، الذي يهتم بالأبحاث والدراسات اللغوية لتطوير المناهج وطرق التدريس، وتأهيل المعلمين وإتاحة الفرصة لتعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها، الأمر الذي يسهم في إعادة إحياء اللغة العربية والحفاظ على الهوية القومية. إلى جانب تبني مؤسسة الفكر العربي لفكرة أطروحات الدكتوراه المميزة دعما للبحث العلمي، وإشاعة للمعرفة والثقافة، والإسهام في تحقيق النمو المعرفي اللازم للنهوض بالمجتمع العربي.. كذلك مشروع الترجمة الذي يربط بين الثقافات والحضارات، مما يسهم في نقل المعرفة والعلوم في المجالات المختلفة، ويفتح آفاقا جديدة للتعرف على وجهة نظر الآخر، تمكينا لالتقاء الأفكار والثقافات.. ترسيخا لأمل الأمة العربية في الرفعة والمجد من أجل وحدة تجمع كل الطاقات.. فالأمير وأنا من جيل عاش أمل الوحدة العربية.. ولكنه حين اختار العنوان “العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم” تخلى عن شاعريته.. والتزم بواقع نعيشه، ألا وهو التقسيم.. فالسودان صار اثنين، واليمن صار يمنين، والعراق أمسى طوائف وشيعا وفرقا، وسوريا أعاد الله لها أمنها وأعادها لحضن العرب الدافئ كاملة غير مجزأة .. وليبيا صارت شرقا وغربا.. والحمد لله الذي حمى مصر وحفظها لأهلها وللعرب جميعا وللمسلمين.. لقد كانت كلمة خالد الفيصل الافتتاحية للمؤتمر، ترجمة صادقة لواقع أمتنا العربية اليوم. وأعلن الأمير من خلالها في المؤتمر استراتيجية مؤتمر العام المقبل.. عن التكامل العربي.. وهو ابن الملك الذي كان ـ رحمه الله ـ أول من دعا إلى هذا التكامل في منتصف القرن الماضي، مؤكدا على ضرورة السوق الإسلامية المشتركة.. ولكننا غرقنا في أحلام القومية.. ثم في أوهام الخلافة، والتي لا أساس لها في أصل الدين.. لقد أسهمت مؤسسة الفكر العربي في مجالات كثيرة خاصة في مجال التربية والتعليم، حتى شاءت إرادة الله أن يصبح رئيس المؤسسة وزيرا للتربية والتعليم في المملكة العربية السعودية، قبل أن يعود لمكة أميرا من جديد، ليواصل العطاء من موقع جديد قديم. وعلني مطالب أمام قارئي الكريم بتوضيح هدفي في اختيار مقالي هذا الأسبوع، وفي الأسابيع المقبلة إذا أراد الله، عن مؤسسة الفكر العربي. حقيقة أن الهدف من إشراك القارئ العزيز في المساعدة مع المؤسسة التي تخص العرب جميعا فكرا وأملا، في وضع خطوات عملية، تقام لها ورش عمل على مدار العام، لنصل جميعا إلى منتج شامل ومتكامل قبل منتدى العام المقبل بحول الله عن التكامل العربي.. ونكون بهذا قد أسهمنا معا في وضع ورسم خطوات عملية تخدم كثيرا من المؤسسات العربية، والتي أنشأتها جامعة الدول العربية.. والتي مضى على بعضها ما يزيد على الثلاثين عاما، دون أن تقدم – مع احترامنا لها – عملا يشفع لاستمرارها.. اللهم إلا دراسات أثقلت كاهل الرفوف.. أو تنظيرا زاد من حيرة الصفوف.. ذلك أني أعتقد – والله أعلم – أن الرغبة الحقيقية في التكامل العربي لم تكن متوفرة أو موجودة.. وإن وجدت لدى القادة، فلا أحد يهتم بإيصالها للصف الثاني، وإن وجدت، فهي غائبة عن الثالث. أما الرابع وأقصد بهذا الصف مسؤولي وموظفي الجمارك والضرائب.. فقد أصبحت مهمتهم في معظم الدول العربية، إجهاض ووأد هذه الرغبة، والدلائل على هذا كثيرة. ودعوني أضرب مثلا حدث ويحدث في عدد من الدول العربية.. وفي عدد من المراحل.. توقع اتفاقية تجارية بين بلدين لإعفاء أو تخفيض جمركي، وبمجرد الانتهاء من مراسم التوقيع البروتوكولية.. وقبل أن يجف الحبر على أوراقها.. يبدأ وضع العقبات من موظفي الجمارك، وكأن واجبهم يقتضي وضع العراقيل، وكأن مهمتهم وهمهم الأساسي هو ملء خزينة الجمارك بوضع المعوقات أمام البضائع المعفاة بكل السبل وشتى الطرق. فيلجأ التجار إلى التصدير من بلد معفى إلى بلد غير معفى، ليصدروه مرة أخرى للبلد المعفيين فيه. وللأسف فقد أصبح الإعفاء مسألة ننظر إليها على أنها خطر داهم أو كارثة ستقع على البلاد والعباد.. ونسي أصحاب هذا الفكر المغلوط والنظرة المتشائمة ما فيه من المصالح البينية بين الدول الموقعة عليه، وتنشيط للحركة التجارية.. وتكامل اقتصادي.. أصبنا بالصداع من كثرة رفع شعاراته.. وعديد مؤتمراته. والحقيقة أنه إذا لم يهتم القادة الكبار بإيصال رؤيتهم واضحة جلية للصفوف التي تليهم.. بكل ما في هذه الرؤية من حكمة ومنافع، سنظل في واقعنا نصطدم بالروتين والبيروقراطية.. وسنظل مكانك سر.. وللحديث بقية في مقالات مقبلة بحول الله وقدرته..
saleh@makkahnp.com
العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (1) العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (2) العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (3)
العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (4)