تفاعل

لست عنصريا.. أنا وطني

سحر أبو شاهين
تسببت شائعة مضحكة عن تعمد زعيم سيرلانكي مسلم وضع مواد تسبب العقم في الأغذية المباعة لجماعة من مواطنيه البوذيين في اندلاع أعمال عنف استمرت عدة أسابيع حتى الآن، ولكن ما هو غير مضحك أن ذلك تسبب بمقتل سريلانكيين مسلمين على يد مواطنيهم البوذيين، أحدهم تم حرقه في منزله حتى الموت.

ذكرني هذا بالشائعات والأفعال السلبية الفردية، التي تشعل أخبارها مواقع التواصل الاجتماعي بين حين وآخر، وتثير سيلا جارفا من ردود الفعل العنصرية الطائفية، وهي تعد طبيعية ومقبولة إن كانت ضمن حدود التعبير الحر المنضبط عن الرأي، ولكن ما يحدث على أرض الواقع يتجاوز ذلك بكثير، وعلى سبيل المثال، إذا صدر الفعل السلبي من وافد، استحال جميع الوافدين لصوصا، قطاع طرق وآكلون للحم السعوديين، أما إذا كان مصدر الفعل « غير قبيلي»، فالفعل السيء غير مستغرب منه فهو طرش بحر، وفعله الذميم أصل فيه، وإن فعل أمرا مستحسنا فهو شذوذ عن القاعدة، أما إذا كان مذهبه مخالفا للأغلبية فهو عميل وخائن وولاؤه لغير وطنه. وجميع هؤلاء يجب ترحيلهم للخارج بأسرع ما يمكن قبل أن يعيثوا في الأرض فسادا ويهلكوا الحرث والنسل!

نعم، هكذا يفكر العنصري الذي اكتشف مؤخرا أن عنصريته الصريحة مستهجنة من قبل العامة، فاحتال بتغليفها بحب الوطن وخوفه عليه وولائه له، واستعداده للتطوع وأداء واجب السب والشتم والقذف لكل هؤلاء، لأن الوطن يستحق وهو على استعداد لتجنيد نفسه وفتح صدره لتلقي السهام!

أمثال هذه النماذج، وهي ليست حالات فردية ولا قليلة، بل ظاهرة آخذة بالانتشار والتوسع -ونأمل أن لا تستحيل مدا جارفا يغرقنا معه فيصبح ما حدث في سريلانكا معتادا لدينا- أمثالهم أعداء للحمة الوطن وتماسكه وتجانس مكوناته، لأن الحملات العنصرية وموجات الكراهية، تجاه مكون مجتمعي، تجعل أفراده يتقوقعون على أنفسهم، ويقصرون علاقاتهم الاجتماعية وتواصلهم مع من يماثلونهم فقط، ويبدؤون تدريجيا في الابتعاد والانزواء عن بقية المكونات، وتقنين العلاقة بهم للحدود الدنيا وعند الضرورة القصوى، لأنه فقد الثقة بهم لشعوره وافتراضه أنهم بالمقابل لا يثقون به، وأنه مهما فعل، فمشكوك بأمره ومتهم، وهذا أمر خطير يمرض المجتمع ويحد من قدرة فئاته على التعاون لتطويره وحل المعضلات التي تواجهه، فيصبح ضعيفا وهشا، وهذا بالتأكيد ما لا نريده لبلدنا الحبيب.

قد يفيد قانون لتجريم العنصرية والطائفية في الحد من موجات الكراهية، ولكنه لن يقضي عليها ما لم يقتنع الجميع أن العنصرية جريمة بحق الوطن تؤذيه وتهدده من الداخل، كما تهدده صواريخ الأعداء من الخارج، ولكن الفارق بينهما أن الصاروخ سلاح عدائي صريح يُتصدى له ويحيد خطره، ولكن العنصرية تصيب وتوجع وتؤثر دون مقاومة تذكر، طالما تغير جلدها في كل مرة.