قضية دكتوراه السريحي.. شهادات وتساؤلات

 

u0645u062du0645u062f u0631u0636u0627 u0646u0635u0631u0627u0644u0644u0647

تفاعل لافت حظيت به قضية منع سعيد السريحي من درجة الدكتوراه، عقب منحها له من كلية اللغة العربية في جامعة أم القرى عام 1408 وحجبها عنه لاحقا بقرار من مجلس الجامعة. وتحولت القضية التي تبنت »مكة« نشر وثائقها الصوتية والخطية بعد أن ظلت لثلاثة عقود طي الكتمان، إلى قضية رأي عام، تفاعلت معها شرائح متنوعة، وكتب عنها في الصحف خلال الشهر الماضي نحو 40 مقالا. وتتيح الصحيفة اليوم لعدد من مجايلي السريحي، أو المهتمين بالشأن الثقافي أو الأكاديمي، فرصة الإدلاء بشهاداتهم في هذا الملف، إضافة إلى إعادة نشر شهادة قديمة ونادرة للكاتب محمد رضا نصر الله، نشرت في صحيفة الرياض عام 1408. هذه شهادتي إثارة قضية سحب شهادة الدكتور السريحي في هذا الوقت شيء يستحق النظر لا من حيث الجانب الشخصي فقط، ولكن من الجانب الحقوقي والعلمي والأخلاقي، والتصحيح للخطأ الذي ارتكب بحقه، وهذا شيء جيد وهو مما عرفته التقاليد في العصر الحاضر وأيدت العمل به التشريعات والقوانين، حيث تتم مراجعة أخطاء الماضي التي ترتكب بحق الناس حتى ولو كان ذلك في الماضي البعيد، ويعد هذا الإجراء أخلاقيا في الدرجة الأولى، وثانيا يعد تصحيحا لما قد يكون حدث من ضرر نال أناسا بصفة اعتبارية أو صفة شخصية ثم يتبين بعد فترة من الزمن أن ما تم من أعمال وقعت بحق أبرياء من مؤسسات قضائية أو إدارية أو حتى عسكرية هو ظلم يجب رفعه أو حق يجب استرجاعه. متى سنحت الظروف لقول العدالة أو إعلانها. والحقيقة أن سحب شهادة الدكتوراه من الدكتور سعيد هو من هذا كله فقد ظلم حقه بقوة لا تكافؤها قدرته وصدر حرمانه من جهده وعمله بقدرة قاهرة استغلت ظروفا مؤاتية ونجحت في ذلك الوقت. واليوم بما طرأ من تغير للظروف والأحوال ووسائل الإعلام كان من الممكن العودة إلى الحق وبيان الخطأ الذي تم وتصحيحه ورد الاعتبار لصاحب الحق، وهذا لا يجرم الجهة التي ارتكبت الخطأ ولكن الاعتراف به يبرئ ساحتها. وأنا أرجو أن يكون لدى جامعة أم القرى من الشجاعة العلمية ما يجعلها تعلن أنها أخطأت بحقه وترجع عما فعلت وتعلن أنها رجعت إلى الحقيقة ولا تتمادى في الخطأ. أما شهادتي في الموضوع فقد أعلنتها منذ ذلك الحين وكنت وقتها أكتب في جريدة الرياض، فكتبت مقالا أبين للجامعة الخطأ الذي وقعت فيه وهو أن الجامعة تحتضن الأفكار والآراء وتنمي المواهب ولا تصادرها، ودعوتها في حينه أن تحترم القيم العلمية والأعراف الأكاديمية وما فعلته هو خطأ علمي وخرق للأعراف الأكاديمية. وقد ساءني أكثر في ذلك الوقت أن كل الأقلام التي كانت تملأ أعمدة الصحف قد سكتت ولم تعترض، ومن كتاب الأعمدة في الصحف أكاديميون وأساتذة جامعات يعرفون التقاليد الأكاديمية، ويرون الخرق الذي وقع والتجاوز غير المبرر الذي حدث، ومنهم بالخصوص زملاؤه الذين يشاركونه توجهه الثقافي ويوافقونه في الرأي والرؤية وصمتهم هو ما جعلني أختار لمقالي عنوانا من أمثال العرب (انج سعد فقد هلك سعيد) حيث إن كلا من هؤلاء فيما أظن أراد السلامة، حيث هبت العاصفة هوجاء تقتلع الشجر من أصوله، فضحوا بصديقهم من أجل سلامتهم ولم يسندوه بقول ولا غيره. نكتة لا بد منها أما التوجه والحشد العاطفي الشعبي الذي وراء حرمانه من الشهادة وهلل لذلك وكبر، فقد أوجد كعادته مبررا لموقفي ورأيي، حيث أشاعوا أنني ابن خالة سعيد حتى يضيفوا موقفي إلى الحمية وليس العلمية، وهي عادة يحسنها دعاة التطرف وينجحون بتمريرها، ولم أعلم بذلك إلا بعد عام حين ألقيت محاضرة في أحد الأندية وفي وقت التعليقات قام أحد الحاضرين، وأثنى على ما سمع ومدح وبالغ، وقال أنتما أبناء الخالة لا أستمع إلى أحدكما إلا ذكرني بالآخر، فسألته من تعني ومن ابن خالتي؟ فقال ألست ابن خالة سعيد السريحي الناس يقولون ذلك. هذه شهادتي وليس كل ما يعلم يقال وإني لأعلم من قضية سعيد ما يندى له الجبين ولا سيما في محاولة انتقاله إلى جامعة الملك سعود. د. مرزوق بن تنباك - أكاديمي وباحث سعيد يستحق موقفا منصفا «عرفت الزميل السريحي عند انضمامي لقسم اللغة العربية بكلية الشريعة بمكة بدايات التسعينات الهجرية، وكان له زملاء آخرون أمثال عثمان الصيني وعالي القرشي ودخيل الله أبوطويلة تمتلئ نفوسهم حماسة وانكبابا على القراءة الحرة بدءا من طه حسين والعقاد والرافعي ونجيب محفوظ وانتهاء بنزار قباني صلاح عبدالصبور حمزة شحاتة وحسين سرحان، كنا كزملاء في وئام وانسجام نتسابق للحصول على تقدير الامتياز من أساتذة كانوا على قدر كبير من العلم والمعرفة والدراية، وكان سعيد إضافة إلى ثقافته الواسعة يتمتع بشخصية قريبة من النفس. يبدو أن سعيد دفع الثمن غاليا، فانفتاحه العقلي والفكري الذي أجزم أنه لم يكن يتعارض مطلقا مع المنطلقات الأساسية للثقافة العربية والإسلامية وكانت ساحات الجامعة وصالاتها التي تتسع لكل ثقافة وعطاء أولى بسعيد، والرفق به، ولئن استفادت الصحافة من عطاءات سعيد العلمية إلا أن الجامعة كانت أولى بتلك العطاءات والتي ربما مثلت زادا معرفيا وثقافيا تنهل منه الأجيال المتلاحقة. عزيزي وزميلي سعيد يستحق الدكتوراه وهو يستحق اليوم موقفا منصفا من الجامعة التي تنقل بين مكتباتها وساحاتها شاب يمتلئ حيوية ونشاطا ويطلق الأسئلة في كل اتجاه بحثا عن الإجابة». د.عاصم حمدان - أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك عبدالعزيز السريحي.. قضية تيار «أولا من حق أي طالب أن يحصل على التسجيل الصوتي لمناقشة رسالته العلمية. ثانيا ومن ناحية نظامية، ووفقا للائحة الدراسات العليا، فبعد المناقشة يوصي مجلس الكلية بمنح الدرجة، ثم ترفع لمدير الجامعة ليصادق عليها، وتعاد للكلية لتستكمل مسوغات الحصول على الدرجة لترفع ملفها الكامل لمجلس الجامعة لمنح الطالب الدرجة العلمية. وما حصل لسعيد ليس قضية علمية، بل قضية «تيار»، أما علميا فليس عليها غبار. وموقفي من هذه المسألة لم يتغير، فالكلية لم تخطئ في إجراءاتها، لأنها تمت وفق لائحة الدراسات العليا، أما مجلس الجامعة فلا علاقة لي به. والسؤال: لماذا صمت السريحي كل هذه الفترة ولم يتقدم وقتها بشكوى للقضاء ليستعيد حقه العلمي؟». د. محمد مريسي الحارثي - عميد كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى آنذاك محاكمة المرحلة «ربما أذهب مذهبا شططا في ذلك فأقول إن ما حدث يستدعي محاكمة مرحلة بأكملها وما جامعة أم القرى إلا فصل من مسرحية كبرى، كنا طلابا في الجامعة وكان من لديه ميل للتجربة الحديثة والتنويرية يعاني ويلات من العزلة ونقص الدرجات وربما الترسيب في المادة، فالمنظومة في تلك المرحلة كانت تقوم على ولاء وبراء فقط إما معهم أو ضدهم، الدكتور سعيد يتحمل جانبا من المسؤولية كونه أحسن الظن كثيرا في المرحلة وتوقع أن لديهم موضوعية في التعامل مع بحثه، هم دون أدنى شك علموا مسبقا أنهم أمام ظاهرة ثقافية كبرى تتمثل في سعيد السريحي، ومن أخطاء التيار أنه كلما نفّر من عمل إبداعي، أو حارب شخصية ثقافية كلما أسهموا في خدمتها بصورة ما». د.علي الرباعي  - كاتب وشاعر ليس الضحية الوحيدة «أتصور أن كل الحكاية يستحسن أن نخرجها الآن من أطرها الفردية، وأن ينظر إليها في أبعاد أخرى، تتصل بمناخ عام شامل كان يسم تلك المرحلة، حيث سيادة خطاب واحد ظلل الجامعة ومكارثية أحدقت بكل جنباتها، وما حولها من مؤسسات ثقافية. فالذين ناقشوا الدكتور سعيد السريحي، كانوا ضمن منظومة وسياق، لم يكونوا خارجين أو مستقلين عنهما، ولعل هذا ما كان يستوعبه السريحي جيدا حينها، هنا أذكر قصة طالب في قسم الإعلام، وكان يعمل في الصحافة، طاله تقرير من التقارير الكيدية إياها، يتصل بالمعركة الكبرى الدائرة رحاها وقتذاك (الحداثة)، فتعرض لتحقيق ومساءلة من قبل عمادة شؤون الطلاب، فلجأ إلى السريحي طالبا المشورة، فنصحه – لكي ينهي مرحلة البكالوريوس - ألا يكرر (غلطته) في مصادمة الوعي السائد المسيطر في الجامعة. السريحي الآن ليس بحاجة للدرجة، قدر ما يحتاج المجتمع إلى إفاقة، تؤهله لكي يضع قدما في درب الحياة، وألا يرجع دائما للمربع الأول». محمود تراوري - روائي وصحفي هؤلاء.. وتقليم أظافر التاريخ! منذ سنوات قريبة تداول المثقفون – هنا مصطلح «التنمية الثقافية»، وكان تداولا معبرا عن حاجة المجتمع إلى رؤية فكرية صحيحة تعكس مظاهر النمو التي اقتحمت علينا مجتمعا كان يقبع، إلى فترة قريبة - في سكون التاريخ وفراغ الصحراء..لقد تبدل ذلك المجتمع وتغير..حتى إن طالبا سعوديا كان قد غادر بلاده قبل عشرين عاما لمواصلة دراسته الثانوية والجامعية والأكاديمية..وما إن رأى ما رأى ..حتى صرخ مندهشا مبهورا: هل أنا حقا في المملكة؟ لقد تغيرت عليه أشياء كثيرة.. وفي علم الاقتصاد والاجتماع.. فإن المتغيرات المادية التي تتعرض لها بنية المجتمع وذهنية أفراده..تؤدي – شئنا أم أبينا- إلى متغيرات كيفية تنعكس في رؤية المجتمع الجديدة إلى الحياة والكون والعالم..وهذا ينعكس– بالتالي – في رؤيته إلى نفسه من الداخل. من هنا تولدت تلك الرغبة الجامحة في أوساط المثقفين إلى ضرورة انتهاج تنمية ثقافية توازي وتعضد التنمية المادية..وتعبر عن تطورها التاريخي في المجتمع السعودي الذي غدا يعيش أنماطا جديدة من التصرفات والسلوكيات وطرق التفكير والعمل. وقد كان من بواعث هذا التوجه..اكتظاظ الجامعات السعودية بركام تاريخي من أصحاب الشهادات العليا الذين عادوا إلى البلاد..وجابوا العلم بالواد..مشكلين استثمارا وطنيا للتنمية وتطور العوائد الاقتصادية.. لقد كان هؤلاء تعبيرا جديدا عن عملية التطور والتنمية..غير أنه في الوقت الذي كان ينتظر من هؤلاء ممارسة دورهم التنويري والتاريخي في إنضاج مظاهر النمو على صعيد اجتماعي وثقافي حيد هؤلاء دورهم ووقفوا متفرجين على ما يحدث! حينها كانت الفرصة متاحة بشكل محدود في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى كأدوات توصيل واستنارة، وقد تمكنت مجموعة قليلة من دكاترة الجامعات وعدد من المثقفين والمبدعين من ذوي التثقيف الذاتي من طرح تصوراتهم ورؤاهم وفهمهم لقضايا اجتماعية وثقافية ووطنية وأدبية، غير أن هذا الدور كان منقوصا إذا ما قسنا اللحظة التاريخية التي مر بها المجتمع السعودي وكان قاب قوسين أو أدنى من التماذج بالعالم والتصاهر مع مظاهر الحضارة الحديثة. وبمعنى ما.. وجدنا الدولة تقوم وحدها، تخطط وتبرمج، تعلم وتعمل ..تقدر وتفكر.. وظل المواطن – والمواطن المثقف بشكل خاص – في موقف المتفرج.. إنه يستهلك ويهمش ذاته بنفسه.. الكل ينتظر راتبه آخر الشهر..والكل ينتظر الحصول على البدلات والمكافآت والترقيات..وانغمر هؤلاء بفردوس التنمية، تاركين الدولة تقف وحدها أمام تحديات المغامرة..مغامرة التحديث والتنمية.  *** لقد كان مفترضا أن يشكل الركام التاريخي من الأكاديميين والمتعلمين والمثقفين المراهنة الحقيقية لمشروع الدولة.. أو قل إن هذه القوى الاجتماعية الجديدة التي كانت استثمارا تاريخيا لمعطيات التنمية الوطنية، كان ينبغي أن تشكل إطارا وطنيا لمشروعات التنمية والتحديث.. فالقوى البشرية هي موضوع التنمية، هي المضخة، هي العائد التاريخي والاستثمار المستقبلي، غير أن ما حدث هو أن بقيت هذه إما تندب حظها لأنها لم تنل الفرصة!! وإما أنها تنصلت عن مسؤوليتها التنويرية والثقافية والإصلاحية، وبقيت تتلجلج بين هذا الموقف أو ذاك.. تنتهز الفرصة، وتركب الموجة، والكل مشغول بمصالحه الشخصية. من هنا انتفى دور النخبة. إنك لن تجد طلائع مفكرة وذات مشروع فكري نظري تقود المجتمع إلى واجهة العصر والمتغيرات الجديدة في هياكل الثقافة والمعرفة العالمية. ورغم الفارق التاريخي والنوعي بين بداية النهضة العربية «المصرية» أو الشرقية «اليابانية» إلا أننا لن نجد مفكرا نهضويا بحجم «رفاعة رافع الطهطاوي» أو علمية «طه حسين» المنهجية، أو موسوعية «العقاد» الثقافية، هذا في الحين الذي ينبغي أن تكون بدايتنا قد استفادت مما انتهى إليه الآخرون على امتداد الوطن العربي. ولا سبيل – هنا- إلى ذكر أن الظاهرة الثقافية في المملكة كانت وما تزال تكرارا لا تاريخيا للظاهرة الثقافية العربية المعاصرة!! فهذا أمر ملموس مكرور ..وله أسبابه التي قد نتناولها في موضع آخر. *** غير أن ما هو حري بالحديث والتأمل..هو: لماذا لم تشكل هذه القوى الاجتماعية الجديدة في الأكاديميين والمتعلمين والمثقفين تيارا جديدا ينسجم مع تطلعات الدولة في عملية التنمية والتحديث؟ ولماذا انسلخت عن إطارها؟ ولماذا تنكرت لمفاهيمها وقناعاتها؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة هي التي تجيب على الدور المفقود في مواجهة المثقفين والمتعلمين لهؤلاء الذين ينقنقون تحت جنح الظلام الاجتماعي والثقافي. ..ومع الأخذ بالاعتبار أن هؤلاء المثقفين والأكاديميين لم تتح لهم فرص التعبير الكامل في الصحافة وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، إلا أن جعل الدور متروكا لفئة من الأقلام المسعورة ضد كل ما هو جديد وجميل ومشرق لأمر يدعو إلى التساؤل في مصداقية فكر هؤلاء المثقفين والأكاديميين. فالثقافة موقف.. والمثقف هو الذي يفعل، ولكن الذي يفعل هو الذي يرى أولا.. فهل توفرت الرؤية الموضوعية لمثقفينا..أم نحن مثقفون بلا منهج..وهنا تكمن العلة؟ *** إنه من الخطورة بمكان وبلادنا-اليوم – تحتل سمعة دولية مرموقة.. أن نجد كتابا يقلمون أظافر التاريخ ويحدون من حركة الوعي العام، بل إن واحدا من هؤلاء رهن وجود العالم والفكر والتاريخ- ضمن حس استعلائي- بموهبته المبتسرة وقلمه المريض.. فحين يكتب الدكتور عبدالله العذامي – مثلا- كتاب «الخطيئة والتكفير» ويضمنه منهجا نقديا جديدا- هو مجال للأخذ والرد- نجد صاحب هذا القلم جاهزا في الانقضاض على الرجل الأكاديمي وطعنه في معتقده الديني، وخدش شرفه العلمي.. لمجرد أنه اختلف وإياه في مسألة لا تتعدى فهم ظاهرة شعرية برؤية نقدية جديدة!! وحين يحاول سعيد مصلح السريحي استيعاب منهج أكاديمي جديد في تفسير ظاهرة تراثية يرشق بأقذع التهم، وتتعرض رسالته الأكاديمية للطعن، وتقوم الجامعة بإنهاء عقد المشرف على الرسالة ..لا لشيء ..إلا لأن الأستاذ وتلميذه حاولا تطبيق منهج نقدي لفهم أبي تمام فهما جديدا.. جعل من الشاعر العربي القديم يقارب الشاعر العربي المعاصر في محاولة إعادة إنتاج اللغة والتراث بما ينسجم مع موهبتهما وحساسيتهما التاريخية والاجتماعية في كتابة الشعر!! ..ويصل ترمومتر الطعن والتشكيك إلى درجة خطيرة ومضحكة في آن واحد.. فإذا محمد الجحلان واحد من أعتى الماركسيين !! قرأ انجلز وماركس، وآمن بالمادية الجدلية ..لأنه قال إن شعراء الحداثة حتمية تاريخية!! والعجيب في الأمر أن هذا الرجل يوزع تهمه على المواطنين من ذوي الأقلام المستنيرة ويفرغهم من مواطنيتهم ..ودينهم.. وتاريخهم ..وكأنه المواطن الأوحد الذي يوزع صكوك المواطنة على البعض ويحجبها عن آخرين!! فمن هو هذا الرجل الذي وضع نفسه في هذا الموقف التاريخي الغامض؟ إنه يمارس كل هذا في جريدة سيارة مثل «الندوة» بلا رقيب أو حسيب ..بل إنه يحاول أن يبدو أمام القراء وكأنه هو الذي يصنع العمل الصحفي والثقافي في الجريدة، ويرسم توجهاتها، بل ويشحن قلوب كثيرين على طريقة الذي يمشي في اتجاه معاكس لتيار التقدم الاجتماعي والثقافي في بلادنا الغالية. *** من هنا أدعو جميع المثقفين والأكاديميين ممن يتوجب عليهم صناعة التغيير الثقافي في البلاد انسجاما مع صناعة التغيير الاجتماعي التي قادت برامج الدولة الإنمائية، وحين أدعو مثل هذه الدعوة فإنني أجد في مثل هذا القلم المسعور بنباح الظلام عائقا يقف ضد ما ينبغي أن يكون عليه وطننا الذي يتطلع دائما إلى النور والحب والمستقبل. نعم.. إن المثقفين والأكاديميين المستنيرين مدعوون – اليوم – لريادة العمل الثقافي والاجتماعي وبث روح التغيير والتقدم في المجتمع عبر وسائل الإعلام والصحافة التي ينبغي أن تخضع لإعادة تركيب، حتى تكون قادرة على تمثل ما حدث في البلاد من تقدم حضاري وتغيير اجتماعي وبوادر إيجابية في العمل الثقافي الذي أصبح يحتفى به عربيا.. ولو كره الكارهون. وعند ذاك يتحقق أول مطلب من مطالب التنمية الثقافية التي بتمثلها سوف تحقق التنمية المادية أهدافها في الراهن والمستقبل. محمد رضا نصرالله