مرحلة المحو العربي

لا أريد أن أكون متشائما ولا أن أبث اليأس في النفوس لكن ما أراه وترونه معي لا يترك مجالا لكثير من التفاؤل الحسن، ولا يبعث على أمل في مستقبل قريب، ليس في بلادنا التي ما زالت تنعم بفضل من الله بشيء مهم من الاستقرار والأمن، ونحمد الله على ذلك ونرجو دوامه وحفظه بحفظ من الله، لكن ما يحيط بنا من عالمنا العربي الذي هو جزء منا مهم لنا وعزيز علينا، مهما قامت الحدود واختلفت الأنظمة يبقى هو ما يشغل البال وما نتمنى له الخير والاستقرار، ويحير اللبيب ويبعث الخوف من المستقبل لا على دولة واحدة ولا قطر عربي واحد، وإنما على امتداد الوطن العربي كله شرقه وغربه، تشتعل الفتن وتلتهب نيرانها وتثور الضغائن بكل الأحقاد والكراهية فتنفجر ضارية قاسية مدمرة لا تترك شيئا ولا تذر آخر تفتق الغضب في نفوس الكثير من الناس وزادت أسباب الكراهية بينهم وأخذ التناحر يتسع وينال الجميع وتتسع دائرته في المحيط كله لم يعد أحد بعيدا عن هذه الفتنة العمياء التي تصيب النازح عنها مثلما تصيب القريب منها، ولم يبق للتوافق والتفاهم مكان في كل قضايا العرب إلا أن يشاء الله

لا أريد أن أكون متشائما ولا أن أبث اليأس في النفوس لكن ما أراه وترونه معي لا يترك مجالا لكثير من التفاؤل الحسن، ولا يبعث على أمل في مستقبل قريب، ليس في بلادنا التي ما زالت تنعم بفضل من الله بشيء مهم من الاستقرار والأمن، ونحمد الله على ذلك ونرجو دوامه وحفظه بحفظ من الله، لكن ما يحيط بنا من عالمنا العربي الذي هو جزء منا مهم لنا وعزيز علينا، مهما قامت الحدود واختلفت الأنظمة يبقى هو ما يشغل البال وما نتمنى له الخير والاستقرار، ويحير اللبيب ويبعث الخوف من المستقبل لا على دولة واحدة ولا قطر عربي واحد، وإنما على امتداد الوطن العربي كله شرقه وغربه، تشتعل الفتن وتلتهب نيرانها وتثور الضغائن بكل الأحقاد والكراهية فتنفجر ضارية قاسية مدمرة لا تترك شيئا ولا تذر آخر تفتق الغضب في نفوس الكثير من الناس وزادت أسباب الكراهية بينهم وأخذ التناحر يتسع وينال الجميع وتتسع دائرته في المحيط كله لم يعد أحد بعيدا عن هذه الفتنة العمياء التي تصيب النازح عنها مثلما تصيب القريب منها، ولم يبق للتوافق والتفاهم مكان في كل قضايا العرب إلا أن يشاء الله. ومع كل ما يحدث سيبقى الوطن العربي قضية واحدة وشأنا واحدا، لا يتعدد وإن تعددت قضاياه وأحواله واختلفت مشاربه وموارده، وقوي التدافع إلى الحرب التي أعجزت أسبابها كل من يحاول منعها أو التخفيف منها، وليس ما يخيفني هو هذا التطاحن وهذه الحروب العبثية التي لا هدف لها غير القتل والاحتراب والتشتت وضياع الدولة في أكثر من بلد مجاور، وذهاب هيبتها وتحول أكثر من دولة عربية خلال مدة وجيزة إلى دول فاشلة، حيث حلت عصابات القتل والبغضاء والكراهية محل النظام والوئام الذي يحتاجه الناس وتصلح به الحياة ويستقيم شأنها، تسارعت الفوضى في البلاد العربية وعجز عن كبح جماحها كل من حاول ذلك من الداخل ومن الخارج، انطلقت الفوضى من عقالها وأظهرت طوايا النفوس وغلوائها، كل هذه المصائب، وهي كما ترون ساحقة ماحقة، إلا أنني أعرف أنه حدث مثلها في تاريخ العرب وحدث ما هو أقوى وأقسى منها. وفي تاريخ الشعوب في القديم ما هو مثلها أو ما هو أشد منها، وبعد تلك الحروب نهضت الشعوب بقوتها وهيبتها ونجت مما أصابها واستعادت قوتها وحياتها، والعرب مثلهم في بعض تاريخهم، فقد مارسوا الحرب مع أعدائهم ومع بعضهم البعض الآخر، ونهضوا منها مثل غيرهم من الأمم والشعوب لأن تلك سنة الحياة وديدنها، هذا ليس هو موضوع الخوف وإن كان ما يحدث في حقيقته مخيفا وقاسيا وأكثر من ذلك مهلكا وعبثيا لا مبرر له. الذي يخيف في هذه الحرب أشياء جديدة لم يذكرها مؤرخو الحروب ودارسوها، ولم يحدث أن أقدم المحاربون على مثلها، أهمها أن من يقوم بها في عرض البلاد العربية وطولها في هذه الأيام هم شراذم وأوباش وأشتات أجناس يأتون من آفاق الأرض لا يجمعهم غرض ولا ينتمون إلى لغة ولا وطن، ولا رابط بينهم إلا شهوة القتل والانتقام ممن يقع في قبضتهم وهم لا يعرفون مطالب المحاربين، ولا يحملون هدف الحرب ولا قيمها ومبادئها، وما سطروه أمام العالم من ذبح المسالمين والأبرياء من العامة غير المحاربين، ومن النساء والأطفال، لم يحدث أن قامت به أمة من الأمم مع ما في الحروب من قتل وظلم وعدوان على الناس وأعمال ضد الإنسانية، لكن ذلك كله كان للجيوش المحاربة ولآلة الحرب ورجالها، أما المسالمون ومن لا يواجهون المحاربين فكل حروب التاريخ تحافظ على حياتهم ووجودهم وأمنهم، أما حروب العالم العربي اليوم فهي حروب تخرج عن قيم الإنسانية، وعن أهدافها وتظهر ضربا جديدا من الانسلاخ ومن العاطفة البشرية، والخروج عن كل المبادئ التي تقرها القوانين والأعراف منذ كانت الحرب والسلام إلى يومنا، وهذا هو الخوف الذي يملأ النفوس والمحو الذي لم يسبق له مثيل في أعراف المحاربين. أما الحال الثاني فهو تلبسها بالدين وحملها لشعار الإسلام أمام العالم كله، وما تمارسه وتذيعه وتنشره على الناس يخالف أبسط قيم الإسلام ومثله وأخلاقه السامية، ما يحدث من هؤلاء المتزمتين يحير الناس في شناعة فعلهم وتحديهم للمشاعر الإسلامية والمشاعر الإنسانية، وهم بفعلهم هذا يشوهون صورة الإسلام الذي يسمون أنفسهم به وينتمون إليه، ولا يجدون من يوافقهم أو يتعاطف مع قضيتهم إن كانت لهم ثمة قضية. إنها في الحقيقة حرب ضد قيم الإسلام ومبادئه وأخلاقه وفضائله وضد قيم الإنسان مهما كان الدافع إليها ومهما كان العذر بارتكابها، إنها باختصار شديد حرب بلا معنى وبلا نتيجة، وسيخسرها الذين يوقدونها ولن يبقى منها غير ذكرها البائس وفعلها القبيح. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.