بلدي حائل.."رقّع يا مرقّع"!

في ذاكرتنا الجمعية كثير من أمثال شعبية وحكايات طريفة عن “الترقيع”، فبذكر هذه الكلمة أول ما يتبادر للذهن المثل الشعبي الشهير “الشقّ أكبر من الرقعة”.

في ذاكرتنا الجمعية كثير من أمثال شعبية وحكايات طريفة عن “الترقيع”، فبذكر هذه الكلمة أول ما يتبادر للذهن المثل الشعبي الشهير “الشقّ أكبر من الرقعة”.

أما في الحكايات فخطرت ببالي قصّة رجل – كما تقول الحكاية - “مالي هدومه”، ومن وجهاء زمانه ومكانه، لكن هذا الرجل يحب دائما أن يتصّدر المجالس بالحديث “متصدر لا تكلمني”. وهذه ليست هي المشكلة الحقيقية، إنما المشكلة أن صاحبنا هذا عندما يتحدث فإنه يستهويه الاستطراد وخلط الحقائق بالأساطير، ومن ثم يشطح خياله ويتجاوز المنطق، ولهذا جعل معه مرافقا مختصا من ذوي البديهة الحاضرة المتوقدة. ودور هذا المرافق هو”الترقيع” لصاحبنا، فما إن تبدأ حكايات صاحبنا تتجاوز المعقول وحدود العقل حتى يتنبه من نظرات الجالسين إلى أنه أوغل في الخيال فيلتفت للمرافق هامسا “رقّع يا مرقّع”، فيبدأ هذا المرافق الذكي بتقريب الحكاية للواقع وتحويرها وتهذيبها بمهارة وجسارة لافتة. وفي أحد الأيام صاحبنا “جاب العيد” – وهذه الكلمة هي المرادف للكلمة الشعبية “كبّ العشاء”- كان الحديث يومها عن الصيد وشجونه، فتحدث صاحبنا عن مهارة جده في الرماية وجودة بندقيته، حيث إن الجد يصوب بندقيته في اتجاه واحد ولمرة واحدة في العام، فتصيب رصاصة البندقية كل الصيد الذي أمامها في تلك الجهة، ويقضون ـ ليس العائلة وحدها، بل القبيلة بأكملها ـ طوال العام وهم يأكلون مما أصابته بندقية جده. هُنا تنبّه على همهمات الحاضرين المستنكرة للقصة، فالتفت إلى مرافقه كالعادة وهمس “رقّع يا مرقع”، لكنه فوجئ بجلافة المرقع وقد خذلته الحيلة وسرعة البديهة وهو يصرخ: “خلااااص ياخي شيء يرقّع وشيء ما يرقّع”!والترقيع لم يعد مجرد مثل عابر أو حكاية شعبية تحمل إسقاطا بريئا، بل تطوّر كغيره من الفنون، وانتقل من مرحلة المشافهة إلى الكتابة والتطبيق، ومن المجالس إلى القاعات الرسمية. ففي مدينة حائل التي كانت تسمى عروس الشمال، عندما كانت تختال بنظافتها ورشاقتها كمدينة صحيّة شهية لا تُقاوم. الحديث الآن ليس عن كيف تعود صبية وقد يبس الجنبان واحدودب الظهرُ، فهذا سؤال جوابه عند من حمل “الأمانة” التي أشفقت السموات والأرض منها وحملها “الأمين”، إنما الحديث عن “الترقيع” ذاته، فبحسب صحيفة (الوطن) أكد رئيس لجنة الخدمات بالمجلس البلدي لأمانة منطقة حائل عبدالعزيز المشهور استحداث فرقة طوارئ مستعجلة، تهدف إلى المتابعة وترقيع الحفريات والمطبات بحائل. “فرقة الترقيع” اسم جميل بلا شك، و”الترقيع” للأمانة ليس جديدا، لكنه كان حصرا على إدارات العلاقات العامة والإعلام في الجهات الحكومية، وبما أنه تسرّب للمجلس البلدي، أي وصل للشارع، فالأهم ألا تكثر أعداد “المرقعين” ومرافقيهم، وألا تكثر البنود. ونشكر المجلس البلدي على هذه الومضة العبقرية، فكنا دوما نتساءل عن الحل مع الحُفر والمطبات، ونسينا أن الحل سهل جدا “لجنة ترقيع”. المهم أن تكون “الرقعة” بحجم “الشق” الذي ابتلع مدينة فاتنة كانت تُسمّى عروس الشمال!

fheed.a@makkahnp.com