وثائق ودراسات تكشف تاريخ الإقطاعات في عهد النبوة

أكد الباحث في معالم المدينة المنورة التاريخية والسيرة النبوية عبدالله الشنقيطي في دراسة موسعة أن الإقطاع أو ما يعرف اليوم بمنح الأرض هو أداة من أدوات التنمية الاقتصادية، التي أقرتها الشريعة الإسلامية باعتبار الأرض أحد أضلاع مثلث الثروة الثلاثة «الأرض، رأس المال، العمل»، ويضيف مستدلا بعدد من الروايات أن هذه الإقطاعات ليست بدون قيد أو شرط فهي مشروطة بالإحياء، وإلا تحولت إلى احتكار

u062cu0627u0646u0628 u0645u0646 u062eu064au0641 u0627u0644u062cu062fu064au062fu0629 (u0645u0643u0629)

أكد الباحث في معالم المدينة المنورة التاريخية والسيرة النبوية عبدالله الشنقيطي في دراسة موسعة أن الإقطاع أو ما يعرف اليوم بمنح الأرض هو أداة من أدوات التنمية الاقتصادية، التي أقرتها الشريعة الإسلامية باعتبار الأرض أحد أضلاع مثلث الثروة الثلاثة «الأرض، رأس المال، العمل»، ويضيف مستدلا بعدد من الروايات أن هذه الإقطاعات ليست بدون قيد أو شرط فهي مشروطة بالإحياء، وإلا تحولت إلى احتكار.

الأرض الموات

ذكرت كتب العلماء مسألة الإقطاع الشرعي الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون، ويوضح الشنقيطي «جاء في كتاب الأموال للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام أن الإقطاع لا يكون إلا للأرض الموات التي لم يحيها أحد، ولم يتملكها أحد تملكا شرعيا، وألا تكون ذات منفعة عامة كأن تكون عينا جارية، أو عِدا لا ينقطع ماؤه، فإن كان الأمر كذلك فإن التصرف بالأرض يعود لولي الأمر يضعها حيث تكون المصلحة». ويرى الباحث أن المتتبع لمسيرة الإقطاعات في العهد النبوي يجد أن كل من أُقطِع أرضا فإن تلك الأرض تقع في بلاد قومه، والظاهر أن المقصود من ذلك أن يكون الممنوح قادرا على إحياء الأرض، وإعمارها لأنه من غير المتصور أن يحيي أرضا ويعمرها وهو لا يسكنها. ومن الأمثلة حين أقطع النبي صلى الله عليه وسلم عوسجة بن حرملة الرفاعي الجهني موقع ذي المروة من أرض جهينة، وأقطع بلال بن الحارث المزني شيخ مزينة وحامل لوائها يوم فتح مكة العقيق كله، ووادي العقيق في صدر الإسلام كان لمزينة، كما أقطع فرات بن حيان العجلي أرضا في اليمامة في ديار قومه، وأقطع قطائع كثيرة لأفراد من بني سليم وأسد وهمدان وكلها في بلادهم. ويرى الشنقيطي أن تلك قاعدة مطردة، والاستثناء الوحيد هم بعض المهاجرين الأولين من قريش رضي الله عنهم مثل أبي بكر»السوارقية» وعلي بن أبي طالب «بعض ذي الحليفة وبعض ينبع» ومحمد بن أبي بكر «المحدث قرب حاذة» وسبب هذا الاستثناء يبدو واضحا بحسب الباحث، وهو أن هؤلاء المهاجرين أخرجوا من ديارهم وأموالهم في سبيل الله، فهذه الإقطاعات على سبيل التعويض الجزئي عما فقدوه.

قيد وشرط

يؤكد الشنقيطي أن هذه الإقطاعات ليست بدون قيد أو شرط، فهي مشروطة بالإحياء وإلا تحولت إلى احتكار، وهو عكس الغرض المقصود بالمنح، وهو التنمية الاقتصادية بإحياء الأرض سواء بالسكن أو الزراعة أو الصناعة أو التعدين. والاحتكار يقضي على كل ذلك، لذلك نجد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزع من بلال بن الحارث كل ما لم يحيه من أرض العقيق ووزعها على المسلمين المستعدين للإحياء، كذلك نجد في نص بعض الإقطاعات أنه مشروط بالإحياء.

بني شنخ

ومن أشهر الإقطاعات النبوية ما أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم لبني شنخ من جهينة، ما قاله المؤرخ ابن سعد محمد البغدادي في أحد كتبه «وكتب رسول اللـه صلى الله عليه وسلم لبني شنَخ من جهينة: «بسم اللـه الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى محمد النبي بني شنخ من جُهينة، أعطاهم ما خَطوا من صُفينة وما حرثوا، ومن حاقَّهم فلا حق لـه، وحقهم حقٌّ»، وكتب العلاءُ بن عقبة وشهد. وفي كتاب ابن مندة: «وأعطى بني شنخ ما أخطوا من صُفينة وما حرثوا». وهنا في الحقيقة إشكال؛ فكيف يمنح النبي صلى الله عليه وسلم صفينة لبني شنخ وهي بلد عامر في وسط بلاد بني سليم، وأهلها حلول بها قبل الإسلام وبعده؟ تقول الخنساء تماضر بنت عمرو السلمي وصفينة بلدها: طرق النعي على صفينة غدوة، ونعى المعمم من بني عمرو «وهي تعني مقتل أخيها صخر» وهذا قبل الإسلام. وبعد الإسلام يقول الشاعر القتّال الكلابي:كأن رداءيه إذا قام علقا على جذع من نخل صفينة أملداوهذا يدل على أنها بلد عامر ذو زرع ونخل وأهل. حتى إن هذا الإقطاع جعل بعض المؤرخين مثل الهمداني في صفة جزيرة العرب يعد صفينة من ديار جهينة. ويقول الشنقيطي إنه كان في حيرة من هذا الأمر، ويرى أنه لا بد أن تكون هناك صفينة أخرى في بلاد جهينة غير تلك التي في بلاد سليم. وفي أثناء بحثه عثر على إشارة واضحة إلى صفينة في وسط بلاد جهينة في ينبع النخل، وبالتحديد عند قرية سويقة على ضفاف وادي نَخَلا ضمن خيف يعرف منذ قرون وإلى الآن باسم خيف الجديدة. وأشار إلى وثيقة مبايعة نشرها الباحث فائز البدراني، يعود تاريخها إلى 28 شوال 1165هـ، تشير إلى موقع باسم»حوض صفينة»، ولا يستبعد أن يكون هذا المكان جزءا من صفينة الواردة في صحيفة الإقطاع النبوي، فهذه بلاد جهينة قبل الإسلام وإلى الآن. وهو مكان صالح للزرع، ومناسب تماما لمن أراد أن يعمل ويزرع، وينتج ويحيي الأرض بعد موتها، وبالمقابل يستبعد تماما أن تكون صفينة وادي بيضان هي المقصودة بالمنح أو الإقطاع للأسباب المنوه عنها.