دور "قياس" في إفساد التعليم
هذا الموضوع ليس دفاعا عن الطلاب والطالبات، وما هية الصعوبات التي يواجهونها في التعليم العام، وليس نقاشا لمحتوى وأسلوب اختبارات قياس القدرات أو التحصيلي، وهل هي طريقة عادلة تعبر عن معيار مناسب لمهارات الطالب؟ وغيرها، مثل هذه الجوانب التي تطرح منذ سنوات عديدة مع بداية هذه التجربة لا تصور حقيقة المشكلة
السبت / 1 / ربيع الثاني / 1435 هـ - 16:45 - السبت 1 فبراير 2014 16:45
هذا الموضوع ليس دفاعا عن الطلاب والطالبات، وما هية الصعوبات التي يواجهونها في التعليم العام، وليس نقاشا لمحتوى وأسلوب اختبارات قياس القدرات أو التحصيلي، وهل هي طريقة عادلة تعبر عن معيار مناسب لمهارات الطالب؟ وغيرها، مثل هذه الجوانب التي تطرح منذ سنوات عديدة مع بداية هذه التجربة لا تصور حقيقة المشكلة هذه الجوانب التفصيلية تشوش على معرفتنا بالأثر الذي يفرزه قياس في إفساد ما تبقى من العملية التربوية والتعليمية هذا ليس حكما انطباعيا متعجلا، وإنما من خلال متابعة سنوات عديدة لهذه التجربة هل «قياس» هو فعلا الحل المناسب لمشكلات التعليم في بلادنا؟ وهو الذي أخذ مع التوسع الكبير في العقود الثلاثة الأخيرة يفقد جودته، هذه الجودة المتراجعة ليست بحاجة لشهادة مراكز عالمية، طالما الأسر نفسها تشعر بضعف مستوى تعليم أبنائها على الرغم من أنها تزود بنجاحات سنوية لأبنائها بمعدلات امتياز، وجيد جدا، والتي أصبحت شكلية بمرور الوقت، أما الرسوب فقد تم القضاء عليه بقرارات قديمة، وجاءت أجيال لا تعرف معنى الرسوب في الدراسة وإعادة السنة الدراسية فكيف تعرف قيمة النجاح والتفوق؟ ولد «قياس» عند مرحلة تاريخية في مسيرة التعليم مع تراجع مستوى الجودة، وكثرة المدارس الأهلية بروح تجارية بحتة، تزامنت مع تضخم مخرجات التعليم العام، وضيق المقاعد الجامعية بدأت الفكرة كطريقة للبحث عن شيء من العدالة في القبول منذ البداية تعاملت الصحافة مع قياس من خلال هذه الرؤية، ولا زال البعض متأثرا بها تطورت فكرة ومهمة «قياس» إلى دور وهمي وبدا كأنه الحل السحري لمشكلات تعليمنا الذي يتراجع مستواه، ومع عجز جميع المحاولات لإنقاذه ظهر «قياس» وكأنه حبل نجاة، وهو في الواقع حبل مشنقة لتعليمنا الذي تتضخم مشكلاته بمرور الوقت ليس حلا اللجوء إلى مثل هذه الحلول الرقمية السهلة بمجرد اختبارات مؤجلة كثيرا عن زمن التعلم يواجه بها الطالب في آخر عمره التعليمي العام ما هو الإنجاز عندما يكتشف الطالب متأخرا أنه غير مؤهل، وتنقصه المهارات الكثيرة في آخر مراحل التعليم العام، كيف يتدارك هو وأسرته الموقف؟ كثير من السجالات والصراعات التي طرحت عن التعليم في السنوات الأخيرة كانت حول جوانب أيديولوجية محددة، وصراع تيارات بعيدا عن المشكلات الحقيقية لرفع مستوى الجودة تبدو مخرجات التعليم العام الآن في أسوأ حالاتها، والمقررات ما زالت تتضخم بطباعات فاخرة، ولكل مقرر أكثر من كتاب، ومع هذه السمنة المفرطة في المناهج، فإن الطفل يكتشف مبكرا أنه لا أحد يرسب، وأنه سينجح مثل أقرانه سواء بذل جهدا أم لم يبذل يخبرني زميل بأنه استمع لطفلين من أقاربه في المرحلة المتوسطة يقول أحدهما للآخر: أتحداك ترسب! عندما تراكمت بعض الأخطاء في التعليم وأصبح اتخاذ القرار صعبا في جوانب عديدة مع تراجع مستوى المدرسة والمعلم، تصور البعض أن «قياس» الرقمي والتركيز عليه سيكون الحل، لهذا تطورت الفكرة الآن إلى مسار جديد، وهو وضع اختبارات للمرحلة الابتدائية والمتوسطة، لتدارك الخطأ قبل المرحلة الثانوية مشكلة «قياس» ليست في إخلاص القائمين عليه ولا حماسهم، ولا تطويراتهم المستمرة مشكلته أنه بمرور الوقت بدأ يؤثر في دور المدرسة، ودور المعلم وقيمته ومسؤوليته، فكرة «قياس» في جوهرها تعطيل لزمن التعلم المفترض لكل مهارة وتراكمها، إنه يعطل اكتشاف الخطأ في الوقت المناسب، ليبقى مؤجلا إلى آخر سنة من كل مرحلة، يقضي على كل قيمة للتعلم اليومي، وقيمة المعلم نفسه واحترامه لأنه أصبح غير موثوق به وبمدرسته، وتفقد المعرفة التفصيلية لكل مقرر قيمتها لصالح اختبارات عامة وشمولية متأخرة التعلم الصحيح هو أن يكتشف ضعف الطالب أو المعلم خلال أشهر الفصل الدراسي نفسه، حيث تقيم نتائج كل فصل خلال المرحلة نفسها، لنميز بين مستوى كل طالب، وندرك الفرق بين جهد كل معلم إن ميزة التقييم لكل فصل دراسي بمعايير صارمة، وليس كما يحدث الآن، أنها تشعر الطالب وأسرته بالمسؤولية فورا، ويواجه المعلم نفسه بسوء نتائجه إن التقييم المتأخر الذي يقوم به «قياس» ساعد على الإهمال وتراكم المشكلات التعليمية وعدم مواجهة الطالب والمعلم بتقصيرهما في الوقت المناسب، ولهذا حتى البدء بوضع اختبارات قياس في نهاية المرحلة الابتدائية والمتوسطة ليس حلا للمشكلة ما يحدث في التعليم الآن مجرد تأجيل وإزاحة للمشكلات من معلم إلى آخر بمساعدة قياس إن المعلومة والمهارة التي يفشل الإنسان في إدراكها خلال سنوات طويلة يستحيل أن يعالجها في أشهر قبل اختبارات قياس الإنسان الناضج بطبيعته يؤجل المسؤوليات إذا كانت بعيدة زمنيا عنه، فكيف بطلاب هم في مرحلة طفولة أو مراهقة، يهددون ببعبع قياس الغامض الذي سيأتيهم بعد سنوات طويلة، ولا يدرك الطالب في هذا العمر كيفية الاستعداد له في المرحلة الثانوية تبرز أهم ملامح إفساد تربية ووعي الطالب بواسطة مدرسته ومعلميها الذين جعلهم هذا النظام في وضع لا يحسدون عليه، فيضطرون لمساعدة طلابهم، لأن امتحان المرحلة الثانوية أصبح يحسب له قيمة متواضعة جدا من النسبة الكلية، ولم يتم إلغاؤه تماما من التقييم في دخول الجامعة، وإنما جعل له فتات من النسبة يعادل نحو 30% عمليا ماذا يحدث الآن ومنذ سنوات؟ تضطر المدارس - طالما سحب منها نحو 70% أو أكثر- لمساعدة طلابها، وتتساهل في اختباراتهم، وتقييمها لهم، فيأخذ الطالب نسبة عالية جدا في شهادته الثانوية لتدعمه، وهي لا تعبر عن مستواه هنا علينا أن نتصور حجم الضرر من هذه الطريقة على وعي الطالب، واحترامه لجدية التعليم ومدرسته ومعلمه، والمواد التي يدرسها اضطرت المدارس واقعيا لهذه الفزعة مع طلابها لأن كل مدرسة تقول إن المدارس الأخرى تفعل ذلك، وإذا لم تساعدهم فإن الطلاب سيشعرون بالظلم لأن زملاء لهم في مدرسة أخرى تمت مساعدتهم مع هذا الضرر المشاهد، مهما حاول البعض إنكاره، يبدو أن العودة للنظام القديم هي الأفضل، وأقل ضررا (مع تطويره)، وأن تكون الاختبارات النهائية موحدة من قبل الوزارة في كل مقرر ما يحدث الآن في تعليمنا، هو أننا عندما فشلنا في التقييم العادل والقوي لكل فصل دراسي بداية من الصف الابتدائي الأول، انتقلنا للتقييم بالجملة، في مرحلة لا ينفع فيها اكتشاف الخلل عند الطالب، مشكلة التعليم الآن هي تحول دور «قياس» من وسيلة لتقييم جودة مخرجاته إلى وسيلة تعطيل وإفساد لزمن التعلم