الرأي

العادات والديانات

محمد أحمد بابا
الثابت الذي لا يزول هو أن القرآن الكريم جعل حجة من كفر أو مارس كفرا عادة بقوله «إنا وجدنا آباءنا على أمة» سببا فاسدا لا يسمن ولا يغني عن لوم وعقوبة مع الإصرار، ولذلك قال ربي «قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين».

وليس لدينا من تصورات للعادات والتقاليد والأعراف أفصح مما أفصح عنه الكتاب العزيز في توارثها واستشرائها في جيل بعد جيل، حتى تستحكم من النفوس فيتنادى أصحابها «لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ويغوث ويعوق ونسرا» رغم أن المذموم في ذلك التوالد الاجتماعي الطبيعي للممارسات عبر حقب الزمن هو جدارية التسبيب لتكون حاجزا دون الأحسن والأفضل والأنفع وربما الحق والأصدق والأصح.

ونحن نرى الشارع الحكيم ترك مساحات الحرية الأصلية للإنسان وفق هداية ربنا لكل الخلق حين أحسن خلقه وهداه فيما لا يكون ضد المصلحة الدينية ولا المصلحة الجمعية للأمة، ولا المصلحة الإنسانية الحقوقية الأصلية التي عليها مبنى قصد الشارع حين الفصل في الحكم.

بذلك يثبت بأن خضوع العادة لأصل مقصد الشريعة خضوع تنفيذ، لا أن تكون العادات عاملة في الحكم تكيفه ليعزز استحكامها عداء للتغيير الإيجابي.

ومن تغيرات الواقع الواضح الظاهر الملموس للجميع عادات وتقاليد وأعراف تتحكم حينا وتهزم حينا.

وهي باقية ولو طال زمانها وخفي هاتكو سترها خلسة، أو ثار ضدها قلائل نفر، ليبدو لنا قريب فهم بأن تكاثر المعلومات وتوفر المعطيات واختلاف المصادر والدلائل وتنوع الفهم والاستدلال والتعاطي معلن بالحق لنا: أن نحكم أصل الدين في كل مرة تجبرنا بوصلة الزمان للتغيير متغيرين مع العوارض، مستمسكين بثوابت الأصل، أن لا حجة لما وجدنا عليه آباءنا لأنا وجدنا عليه آباءنا ما لم يكن حقا بأصل عموم مقصد الشرع، لا بعمل سابق أو متقدم.

لتكون الأعراف - وإن أخذت من احترام الخجولين في وضع نصاب الحكم على جادة الصراحة - غير ذات اعتبار طالما أنها أدت لهضم حق فردي، أو ساهمت في شيوع ثقافة سلبية تعكس صورة مغايرة عما هو من ثابت ديننا بأنه دين العدل والسلام والرحمة.

لذلك فتغير نمطية الاستدلال في استشعار الحق بما تتفق عليه أمة الإسلام من مقاصد مشتركة الإيمان أولى من تكرار الأخطاء بأن هذا عمل فلان، أو هذا ما عليه أولئك.

ومن المناسب أن أقول: بأن الثورة على العادات بالإطلاق مخالفة لسنة الله الاجتماعية في خلقه، كما أن تغول العادات لتصبح أنزه تقديسا من مقصد شرعي مخالف لسنة الله الدينية في عباده.

ومن الوسطية فتح الأقفال عن تغيرات الناس من عصر لعصر، ليصبح من حقهم نزع عادة، أو تهذيب أخرى، أو استدعاء ثالثة، وفي المجتمعات خير كثير إن استقرت قلوب أهلها على حب الناس لينظروا ما يصلح حالهم فيجعلونه عقدا اجتماعيا يحصدون نتيجته.

albabamohamad@