في حضرة جوهر الصقلي
السبت / 8 / جمادى الآخرة / 1439 هـ - 20:00 - السبت 24 فبراير 2018 20:00
في زيارة قصيرة لم تتجاوز وجه نهار مشمس في شتاء فبراير من هذا العام، كنت أتجول في أزقة باليرمو الضيقة بعيدا عن الشوارع الرئيسية التي تغص بالسياح الذين جذبهم تاريخ صقلية وجغرافيتها.
في باليرمو تتراءى للزائر البساطة في أشكال الناس، والمتاجر الشعبية، والمطاعم الصغيرة التي يزدحم عليها الطلبة والعمال والموظفون في منظر نألفه في كثير من بلداننا، فأسواقها لا تختلف عن تلك الأقبية في القاهرة أو تونس، حتى رائحة العطور والبهارات وأسماء الأزقة تحمل تاريخا عربيا واضحا.
أما المتسولون فهم أقل عددا وأظنهم أكثر ذوقا، تجدهم يستجدون المارة بالموسيقى ولا «ينشبون في حلقك» أو يفسدون جولتك.
أذكر عندما رست بنا السفينة صباحا، قال أحدهم لرفاقه هنا تم تصوير فيلم الأب الروحي الشهير عن المافيا، ولكن الأهم من ذلك أن المرشد السياحي الذي رافقنا في الساعتين الأوليين من الزيارة أكد أن الوجود العربي، الذي تجاوز قرنين من الزمان في جزيرة صقلية، أدخل في مفرداتها كثيرا من الكلمات العربية، فتجد اليوم شارع العطارين، وزقاق الكسكسي، كما أن هناك آيات قرآنية باقية على كاتدرائية المدينة بالخط المغربي، وقد كانت مسجدا، يعلو اليوم منارته جرس لأوقات الصلوات المسيحية، حتى أولئك الذين يستجدون الناس بالموسيقى يسميهم أهل صقلية «مسكينو».
ويقول علماء اللغة إن اللغة الصقلية ذات المفردات العربية الواضحة هي الآن اللغة الرسمية لدولة مالطا المجاورة.
جزيرة صقلية تعتبر مسقط رأس جوهر الصقلي أعظم قائد في العصر الفاطمي، وهو من أشهر الشخصيات التي ارتبطت بالتاريخ المصري، وهو الذي أسس لقيام دول الخلافة الفاطمية في مصر بعد خروجها من تونس، وهو من الشخصيات التي انبهرت بها منذ القراءة الأولى عنها، وما زلت منبهرا بها حتى اليوم، لا سيما عندما نعرف أن جوهر الصقلي هو من بنى القاهرة وأسس الأزهر الشريف، وهو القائد الرومي الذي ولد في صقلية وانتسب لها وهو من أصل يوناني، وكانت ولادته عام 300 هـ، الموافق 911م، وتوفى في القاهرة في 992م.
كان جوهر الصقلي في بداية حياته أسيرا لدى الفاطميين، وعاش في القيروان مملوكا، ولكنه أظهر براعة في شخصيته وإخلاصا في عمله، والتحق بخدمة الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، ولقب عنده بجوهر الكاتب، وتبوأ لديه المناصب العالية حتى وصل إلى قائد القوات الفاطمية، حيث تمكن من ضم مصر بعد أن أخرج العباسيين منها،
وكان على رأس جيش قوامه مئة ألف مقاتل في عام 969م، وبقي حاكما لمصر ونائبا للخليفة حتى 972م، وجعل من القاهرة عاصمة للفاطميين، وهو الذي بنى سور القاهرة بثمانية أبواب: «زويلة، الفرج، الفتوح، النصر، القراطين، المحروق، البرقية، والقنطرة».. وكان عدله وحسن إدارته السبب، بعد الله سبحانه وتعالى، في اعتناق كثير من الأقباط للإسلام.
وانتبهت في مشواري ذلك النهار بعد أن تملكتني هذه الرؤى عن هذه الشخصية التي كان لها دورها العظيم في التاريخ العربي والإسلامي والتي خرجت من هذه الجزيرة،انتبهت على نغم ذلك الشاب الذي يحمل «قيتاره» على رصيف شارع العطارين في باليرمو، والذي تجد «شارعه التوأم» الذي يحمل الاسم نفسه في حي الجمالية، حيث محلات العطارة على الجانبين في ممر الحمزاوي، القريب من شارع المعز لدين الله الفاطمي في القاهرة القديمة.
في هذا الجو المدهش حيث تتباعد الجغرافيا، ويتقارب التاريخ، كانت روح جوهر الصقلي ترافقني في مشواري في هذا اليوم المشمس.
وكأن ذلك الذي وقف بـ»قيتاره» يعزف للمارة هو حفيد جوهرنا بطل القصة في رحلتي القصيرة، وبطل التاريخ الذي ما زلنا نستنشق عبيره فخرا وعزا وكرامة، صنعها هؤلاء الرجال الذين قيضهم الله من كل فج عميق.
في باليرمو تتراءى للزائر البساطة في أشكال الناس، والمتاجر الشعبية، والمطاعم الصغيرة التي يزدحم عليها الطلبة والعمال والموظفون في منظر نألفه في كثير من بلداننا، فأسواقها لا تختلف عن تلك الأقبية في القاهرة أو تونس، حتى رائحة العطور والبهارات وأسماء الأزقة تحمل تاريخا عربيا واضحا.
أما المتسولون فهم أقل عددا وأظنهم أكثر ذوقا، تجدهم يستجدون المارة بالموسيقى ولا «ينشبون في حلقك» أو يفسدون جولتك.
أذكر عندما رست بنا السفينة صباحا، قال أحدهم لرفاقه هنا تم تصوير فيلم الأب الروحي الشهير عن المافيا، ولكن الأهم من ذلك أن المرشد السياحي الذي رافقنا في الساعتين الأوليين من الزيارة أكد أن الوجود العربي، الذي تجاوز قرنين من الزمان في جزيرة صقلية، أدخل في مفرداتها كثيرا من الكلمات العربية، فتجد اليوم شارع العطارين، وزقاق الكسكسي، كما أن هناك آيات قرآنية باقية على كاتدرائية المدينة بالخط المغربي، وقد كانت مسجدا، يعلو اليوم منارته جرس لأوقات الصلوات المسيحية، حتى أولئك الذين يستجدون الناس بالموسيقى يسميهم أهل صقلية «مسكينو».
ويقول علماء اللغة إن اللغة الصقلية ذات المفردات العربية الواضحة هي الآن اللغة الرسمية لدولة مالطا المجاورة.
جزيرة صقلية تعتبر مسقط رأس جوهر الصقلي أعظم قائد في العصر الفاطمي، وهو من أشهر الشخصيات التي ارتبطت بالتاريخ المصري، وهو الذي أسس لقيام دول الخلافة الفاطمية في مصر بعد خروجها من تونس، وهو من الشخصيات التي انبهرت بها منذ القراءة الأولى عنها، وما زلت منبهرا بها حتى اليوم، لا سيما عندما نعرف أن جوهر الصقلي هو من بنى القاهرة وأسس الأزهر الشريف، وهو القائد الرومي الذي ولد في صقلية وانتسب لها وهو من أصل يوناني، وكانت ولادته عام 300 هـ، الموافق 911م، وتوفى في القاهرة في 992م.
كان جوهر الصقلي في بداية حياته أسيرا لدى الفاطميين، وعاش في القيروان مملوكا، ولكنه أظهر براعة في شخصيته وإخلاصا في عمله، والتحق بخدمة الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، ولقب عنده بجوهر الكاتب، وتبوأ لديه المناصب العالية حتى وصل إلى قائد القوات الفاطمية، حيث تمكن من ضم مصر بعد أن أخرج العباسيين منها،
وكان على رأس جيش قوامه مئة ألف مقاتل في عام 969م، وبقي حاكما لمصر ونائبا للخليفة حتى 972م، وجعل من القاهرة عاصمة للفاطميين، وهو الذي بنى سور القاهرة بثمانية أبواب: «زويلة، الفرج، الفتوح، النصر، القراطين، المحروق، البرقية، والقنطرة».. وكان عدله وحسن إدارته السبب، بعد الله سبحانه وتعالى، في اعتناق كثير من الأقباط للإسلام.
وانتبهت في مشواري ذلك النهار بعد أن تملكتني هذه الرؤى عن هذه الشخصية التي كان لها دورها العظيم في التاريخ العربي والإسلامي والتي خرجت من هذه الجزيرة،انتبهت على نغم ذلك الشاب الذي يحمل «قيتاره» على رصيف شارع العطارين في باليرمو، والذي تجد «شارعه التوأم» الذي يحمل الاسم نفسه في حي الجمالية، حيث محلات العطارة على الجانبين في ممر الحمزاوي، القريب من شارع المعز لدين الله الفاطمي في القاهرة القديمة.
في هذا الجو المدهش حيث تتباعد الجغرافيا، ويتقارب التاريخ، كانت روح جوهر الصقلي ترافقني في مشواري في هذا اليوم المشمس.
وكأن ذلك الذي وقف بـ»قيتاره» يعزف للمارة هو حفيد جوهرنا بطل القصة في رحلتي القصيرة، وبطل التاريخ الذي ما زلنا نستنشق عبيره فخرا وعزا وكرامة، صنعها هؤلاء الرجال الذين قيضهم الله من كل فج عميق.