بيان الاشتباه بين ماء الرجيع ووادي الرجيع
إكمالا لما سبق في حلقة سابقة عن ماء الرجيع الوارد في السيرة النبوية المطهرة والذي يسميه بعض الباحثين وادي الرجيع،
الخميس / 7 / جمادى الأولى / 1436 هـ - 19:30 - الخميس 26 فبراير 2015 19:30
إكمالا لما سبق في حلقة سابقة عن ماء الرجيع الوارد في السيرة النبوية المطهرة والذي يسميه بعض الباحثين وادي الرجيع، وردا على ما ورد في الندوة التي أقيمت في مركز تاريخ مكة عن هذه الجزئية الخاصة بماء الرجيع ووادي الرجيع والاشتباه الذي يقع بينهما، ذكرت بأنه لم يرد مسمى وادي الرجيع في الحادثة المشهورة بل هو ماء الرجيع، وأن هذا المسمى أطلق على أماكن أخرى تحدثت عن أحدها في المقال السابق وهو وادي الرجيع القريب من خيبر مكان الغزوة المعروفة. أما وادي الرجيع الآخر المذكور شعرا فهو الواقع ما بين الطائف والهدأة، ولا نكاد نجد له ذكرا اليوم أيضا ولم يذكره أحد من المتأخرين. إلا أن الحموي يورد هذا النص توضيحا لا لبس فيه يشرح فيه مكان وادي الرجيع المذكور عند أبي ذؤيب: (... وقال ابن إسحاق والواقدي: الرجيع ماء لهذيل قرب الهدأة بين مكة والطائف وقد ذكره أبو ذؤيب فقال: رأيت أهلي بوادي الرجيع من أرض قيلة برقا مليحا). والمراد هنا بالهدأة هدأة الطائف كما ذكرت ولا يمكن أن تكون الهدأة المجاورة لعسفان، ولهذيل منازل بالطائف منذ العصر الجاهلي وليس بالغريب أن يصفها أبو ذؤيب ويتجول فيها. فأين هدأة الطائف من هدأة الشام اليوم؟ إن كان هناك تشابه! ومن المؤرخين المعاصرين الدكتور تنيضب الفايدي الذي يفصل ما بين الرجيعين فصلا تاما لا لبس فيه حيث يقول: في مبحث له تحت عنوان: (ماء الرجيع .. وادي الرجيع مكانان متباعدان ولكل منهما حدث تاريخي)، يقول: (وهناك موقع آخر لمسمى الرجيع وهو وادي الرجيع يقع شمال خيبر اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرا للقيادة أثناء غزوة خيبر الفتح الذي سر به الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مكث في هذا الوادي ما يقارب عشرين يوما وهو واد ما زال معروفا بهذا الاسم...). ملحق الرسالة الجمعة 04/07/2014. أما كلمة وادي فلا تعني عند أهل الحجاز في الغالب إلا مجرى السيل، ولكن توسع بعض المؤرخين مثل ابن فهد الهاشمي المتوفى سنة 954هـ وهو حجازي مكي في مدلول الكلمة وسمى القرى باسم الوادي، فنجده يقول وادي الجموم ووادي البرقة ووادي البثني وهي في زمنه قرى زراعية، بل نجد اليوم من يسمون المزرعة باسم الوادي، ولكن الأصل هو مجرى السيل وعليه ثبت المعجم الوسيط (الوادي كل منفرج بين الجبال والتلال وآكام سمي بذلك لسيلانه يكون مسلكا للسيل ومنفذا). فالوادي لا يطلق عند أهل الحجاز اليوم إلا على مجرى السيل فقط وهو الصواب وما عداه نوع من التوسع وينطبق عليه مفهوم الانتقال بالمجاورة. 2- ذكر أخي الدكتور محمد صامل السلمي في عرضه العلمي الشيق المدعم بالرسوم التوضيحية خطم الجبل المذكور في كتب السير مع أبي سفيان ليلة استطلاعه لجيش المسلمين أنه يقع ضمن درب الحاج القديم الملتف باتجاه قرية أبو شعيب وكأنه أراد الخطم الممتد نحو الشمال الغربي ويسميه الناس بالودينة... وأظنه أبعد النجعة قليلا فالخطم المذكور في السير النبوية هو المكان المعروف اليوم (بالضيق) بطريق الجموم القديم، والناظر منه يرى الجموم بوضوح وهي هابطة حيث كان ينتهي عنده خطم جبل أبو حطبان وهو ملائم تماما للرؤية، وكانت ثنية عسرة تقرن بين جبلين هما الغراب وأبو حطبان يتجنبها الحاج القادم من الجموم باتجاه مكة ويتيامنون قليلا تجنبا لوعورته... وخطم أبو حطبان يوازي تماما مسجد الفتح بالجموم حيث تسهل رؤية جيش المسلمين على بعد 2 كلم بوضوح، وهو أهم معلم تاريخي وشاهد مكاني يثبت ضبط موقع معسكر المسلمين الذي يقع أغلبه ما بين طريقي الجموم القديم والجديد، وقد يتجاوزه باتجاه الشمال بعد جسر الجموم المركزي، أعني أراضي استثمارات البلدية الحالية حتى قبيل موقع شركة الكهرباء، ولا يتجاوز مسيل وادي مر الظهران. ويظل مجرى الوادي فاصلا عسكريا ولم يتجاوزه المسلمون باتجاه مكة، ويمتد المعسكر من مسيل الوادي حتى مسجد الفتح بشمال الجموم طولا، وما زلت أرجح أن معسكر المسلمين كان يحده من الشمال قاعة الزعيم والزبارة، ومن الجنوب المطبعة والأسواق التجارية الحالية المقابلة للمطبعة وما حولها من منازل، ومن الشرق مسيل الوادي الرابط ما بين الجسرين والفاصل أيضا ما بين غابة الأراك وجيش المسلمين، ومن الغرب موقع مسجد الفتح وجزء من الدرب السلطاني. ولا يخالجني شك أن نيران المعسكر التي ذكرت أشعلت على بريقات ومرتفعات رملية كانت هناك وتنتشر على هيئة مرتفعات تشبه التلال، أما غابة الأراك الشاهد المكاني القوي التي اختبأ بها أبو سفيان لمراقبة المسلمين عندما عثر عليه العباس، فتقع في المرتفعات الرملية ما بين الطريقين القديم والجديد والمتحدرة نحو الجموم (بطن مر) باتجاه الغرب قبل مسيل الوادي، ويحدها من الشرق جبل أبو حطبان ويكسوها اليوم شجر الرمث، وذكر لي أحد المعمرين أنه أدرك منها شجرة أراك واحدة قبل 60 عاما في نفس المكان الذي رجحته، وهي بلا شك من بقايا الإرث الغابي الكبير الذي كان يغطي ذلك المكان. آمل أن أكون قد وفقت في رسم وتصويب بعض الإشكالات وهي يسيرة جدا أمام جهودهما الواسعة في تقصي الطريق وتنكب معاسره والصبر على شناخيبه وتنفس صعداته فإن أصبت فلي الأجران وإن أخطأت فلن نعدم الواحد.