شرعنة الفساد
قصة الفساد قصة ممتدة الفصول والذيول ولا يكاد يخلو منها أو من بعض فصولها مجتمع ولا دولة بما في ذلك الدول التي تقدمت كثيرا في سن الأنظمة والقوانين وأسست لثقافة
الاحد / 1 / صفر / 1436 هـ - 19:15 - الاحد 23 نوفمبر 2014 19:15
قصة الفساد قصة ممتدة الفصول والذيول ولا يكاد يخلو منها أو من بعض فصولها مجتمع ولا دولة بما في ذلك الدول التي تقدمت كثيرا في سن الأنظمة والقوانين وأسست لثقافة عامة مقاومة للفساد وأوجدت قضاء مستقلا للمحاسبة يطال الجميع بما فيهم أصحاب النفوذ والسلطة، ولكن الخطورة الكبيرة حقا في موضوع الفساد تتجلى في نظري في أمرين متى وجدا فالفساد حينها يصبح قنبلة موقوتة شديدة الأثر قد تقضي على الاستقرار لأي مجتمع مهما كان تأريخه أو ثقافته أو درجة تماسكه. أما الأمر الأول فهو انتشار الفساد وشيوعه وكثرة مظاهره بحيث يستعصي على المتابعة والمحاسبة، وهنا سيدخل المجتمع المبتلى بذلك مرحلة خطيرة من التفكك والضعف وستكبر الطبقية المقيتة كما ستتولد الضغائن والأحقاد بين أفراده وطبقاته وتزداد معدلات الجريمة ويضعف التكامل والتراحم وتضعف الأمانة الباعثة على العدالة وعلى الصدق في ضمان الحقوق الخاصة والعامة وإنجاز المشروعات وإقامة المصالح الضرورية. والأمر الثاني هو ما يمكن تسميته بشرعنة الفساد وهو أخطر من الأول وإن كان من تبعاته، ولهذه الشرعنة وجهان أحدهما استمراؤه أخلاقيا بحيث يصبح مقبولا من الناحية الأخلاقية الشخصية والمجتمعية بل قد يعد دليلا على الفطنة والذكاء والإقدام والرجولة من مقترفه، فيمدح به ولا يذم، وهذا القبول يهدم الحاجز النفسي الداخلي الذي ينشأ من مراقبة الله تعالى وخوف عقوبته في الأصل ومن بغض هذه الخصلة وازدراء المتصف بها من جهة أخرى. والوجه الثاني وهو الأخطر أن يصبح الفساد – من غير نص على ذلك – جزءا من النظام السائد المتبع الذي تتم وفقه الأعمال والمصالح فيعرف الجميع ذلك ويسكتون عنه بل قد يرشدون إليه من تعطلت مصالحه وتأخرت أعماله كمخرج وحيد ليتحقق مراده، بحيث لا يفكر أحد في المحاسبة الجادة للفاسدين أو تعقب أعمالهم وسد مداخلهم. وهذه المرحلة من شرعنة الفساد تصبح القوانين والعقوبات أضحوكة لا معنى لها، ويصبح من السائغ أن تجعل العمولات والرشاوى والهدايا الكاذبة محسوبة علنا في التكاليف وإن سميت بأسماء أخرى، وسيصبح من السائغ أن تتعطل المصالح الشخصية للناس وأن تتأخر المصالح العامة إلى أن يستحوذ بعض الفاسدين على حصته وإلا فسيتوقف كل شيء بعلل مختلفة ويصبح لا خيار إلا الدفع أو ضياع تلك المصالح العامة والخاصة. لا شك أننا تحدثنا كثيرا كمجتمع وكقيادات وكمثقفين عن الفساد وحذرنا منه وألحقنا به كل شر ولكننا في الحقيقة لن ننجو من آثاره إلا بثورة شاملة ماحقة ضده تنطلق من إرادة سياسية حاسمة وقوانين ضابطة شاملة وقضاء مستقل نزيه وثقافة مجتمعية ترفض الفساد وتحتقر أصحابه وإلا فسنغرق في وحله مع الأيام.