.. وتاجر شنطة
ناقد شنطة 3-7
الاثنين / 3 / جمادى الآخرة / 1439 هـ - 19:45 - الاثنين 19 فبراير 2018 19:45
مع قرب نشر كتابه الجديد بعنوان «الحنطة والزؤان: نقد الأدب ونقد الشنطة»، يتصدى الباحث والناقد حسين بافقيه لمهمة مزدوجة: إعادة الاعتبار لأستاذ النقد السعودي، الدكتور منصور الحازمي، واستعادة المفهوم الذي بات، اليوم، مُلِّحًّا أكثر من أي وقت مضى: «ناقد شنطة». وبموجب اتفاق بين «مكة» والزميل بافقيه، تنشر الصحيفة على مدى سبع حلقات محتويات الفصل الأول من «الحنطة والزؤان»، وهو العنوان الذي يقول المؤلف إنه ينطلق من روح «المصطلح الحازمي»؛ فالحنطة هي ما هي، أما الزؤان فهو الحب الذي يخالطها فيكسبها رداءة.
عَرَفَ النَّاس، آنئذٍ، عِبَارة «تاجر شنطة»، لشُيُوعها في الصِّحافة والسِّينما، وباتتْ مفردة «المقاولات» تَذيع وتنتشر، يُراد بها كُلُّ ما يُزْرِي بالأعمال الجليلة. وبينما شاعتْ عِبَارة «تاجر شنطة»، في لُغة الاقتصاد والمجتمع، إذا بنا إزاء مصطلح جديد، يَصِم الكثرة الكثيرة مِنَ الأفلام المصريَّة، في تلك المُدَّة، بأنَّها «أفلام مقاولات»، فليس للمنتِج، وليس للمُخْرِج، وليس للممثِّلين، إلَّا أن يَسْعَوْا إلى إنتاج «أفلام» لا يُهِمُّها الوفاء للفنّ ومعانيه السَّامية، قَدْرَ نُزُولها على تلك المَطالب الهَيِّنة الَّتي تُلَبِّي رغائبَ طبقاتٍ جديدةٍ، تَسَلَّمَتْ زمام الأمور، دون أنْ تَشْقَى، وآنَ لها أنْ تَحْمِلَ النَّاس على القِيَم الَّتي تؤمن بها، وما أرخصَها مِنْ قِيَم!
قال الدَّكتور منصور الحازميّ إنَّ «ناقد الشَّنطة» يُشْبه «تاجر الشَّنطة» في ثلاثة أمور: تهريب الممنوعات، وتخريب الاقتصاد الوطنيّ، وضعف الإحساس بالانتماء والولاء. وجِمَاع ما بينهما أنَّ هذا وذاك يَصْدُران عنْ خصيصة واحدة، تفرَّعتْ مِنْها كلّ تلك الخصائص، و»هي إيثار الذَّات بالرِّبح والشُّهْرة».
وعِبَارة منصور الحازميّ السَّاخرة هذه ليستْ ببعيدة عمَّا تقلَّبتْ فيه تلك المُدَّة مِنْ أحوال، وإنَّنا لنلمس فيها دُنُوًّا مِنْ مفردات الاقتصاد والتِّجارة؛ يستبين ذلك في أنَّنا ما إنْ نَفُوه بعِبَارة «ناقد شنطة» حتَّى نَذْكر أختها الشَّقيقة «تاجر شنطة»، ونحن نَعْرِف أنَّ هذه الأخيرة إنَّما هي نتاج اضطراب الاقتصاد والتِّجارة، وفَزَع أُلُوف النَّاس مِنَ الفَقْر، فإذا ما استعار منصور الحازميّ مصطلحه مِنْ معجم الاقتصاد والتِّجارة فلأنَّه أراد أن يُذْكِر قارئه بذلك الاختلال الَّذي أصاب الثَّقافة والأدب والنَّقْد، وَلْنَكُنْ على ذُكْرٍ أنَّ سنوات الطَّفْرة لَمَّا تَنْقَشِعْ سُحُبُها، بَعْدُ، فلا بأس إنِ استمدَّ الحازميّ عِبَارته تلك مِنْ ذلك العهد، على ما فيه مِن اختلال، وعلى ما فيه مِن اضطراب، وفي تلك السَّنوات الَّتي عَرَفَتِ «الانفتاح» في مصر، وُلِدَ «تاجر الشَّنْطة»، وفي تلك السَّنوات الَّتي عَرَفَتْ فيها المملكة العربيَّة السُّعُوديَّة «الطَّفْرة» النِّفطيَّة، وُلِدَ «ناقد الشَّنْطة». وسواءٌ رَمَيْنا أبصارنا إلى مصر، أوْ أَجَلْنَاها، هُنا، فإنَّ «شنطة» التَّاجر أو النَّاقد لا ينتج عنها إلَّا «الفساد»، لأنَّ الأوَّل «تاجر يتخفَّى في زِيِّ مسافر، يحشو حقيبته بما خَفَّ وزنه وغلا ثمنه، ليبيعه على مَن يمتلكون «السُّيُولة»، فيسيل لُعابهم على اقتناء البضائع الأجنبيَّة الممنوعة»، = ولأنَّ الآخَر عَرَفَ أنَّ المجتمع – ولوْ كان محدودًا بحُدُود الأدب والثَّقافة – كان قدْ أوقعتْه «الطَّفْرة» في شَرَكها، فجعل الأدباءُ والمثقَّفون يبحثون عنْ ذلك «النَّاقد» الَّذي يَعْرِف ثمن كلّ أديب أوْ مثقَّف، وما عليه إلَّا أن يفتح «شنطته» ويَعْرِض ما انطوتْ عليه مِنْ «بضاعة مستوردة» تأخذ الأبصار خلابتها، وما عليه إلَّا أن يَنْثُر أمام عُيُونهم تلك «العلامات الثَّقافيَّة» الجديدة، الَّتي لا تُبايِن «العلامات التِّجاريَّة»، حتَّى إذا احتشد «الزَّبائن» على السِّلَع «المُقَلَّدة» الَّتي قَفَزَتْ مِنَ «الشَّنْطة»، عَمِلَتْ عملها في العُقُول وفي العُيُون، فزَهِدَ القوم في ما يَعْرِفون، واستقلُّوا ما بأيديهم مِنْ «سِلَعٍ»، مهما كانتْ مُتْقَنة الصُّنْع جَيِّدته.
وهكذا يقتنع ناقد «الشَّنْطة» بعمله الجليل الخطير. فهو مندوب الغرب إلى الشَّرق، السَّفير فوق العادة لحضارات العالَم المتقدِّم، يَحْمِل في شنطته جميع أفكارهم وقضاياهم وهُمُومهم وآدابهم وفنونهم. ومُهِمَّته تحضير المتوحِّشين، وتوطين البدو أوْ ترويضهم. وقدْ تَعْجَب كيف يستطيع إنسان بمفرده أن ينهض بهذا الحِمْل الثَّقيل الَّذي لمْ تستطعْ أوربَّا مجتمعةً أنْ تنهض به طوال القرن التَّاسعَ عَشَرَ وحتَّى الوقت الحاضر. وكيف تستطيع «شنطته» الصَّغيرة أنْ تحتوي – دُون أن يصيبها فَتْق أو انفجار مُرَوِّع – جميع فلسفات أرسطو، وكانْت، وهيجل، وبيرجسون، وسارتر.. إلخ، إلى جانب أعمال الكلاسيكيِّين والرُّومنسيِّين والرَّمزيِّين والدَّاديِّين والتَّكعيبيِّين والعبثيِّين إلخ إلخ؟! وقدْ تندهش أيضًا في سرعة اتِّصاله بجميع الحركات والمذاهب الجديدة في أوربَّا وأمريكا. فهو يأتيك كلَّ يومٍ بجديد، ويُزَوِّدك بالنَّادر والطَّريف. والأعجب مِنْ هذا كلِّه أنَّه رَجُلٌ لا يُتْقِن لُغةً أجنبيَّةً واحدة. وحينما سافر إلى لندن لِتَعَلُّم اللُّغة الإنجليزيَّة ظَنَّه الإنجليز مِنْ رعايا الكومنولث، فأوصدوا في وجهه الأبواب لأنَّه فقير مُلَوَّن، فاضْطُرَّ إلى قضاء ليلته الأُولى في إحدى محطَّات القطارات مُتَوَسِّدًا قُبَّعته ومِعْطفه.
ولوْ لم يَسْخَرِ الدَّكتور منصور الحازميّ مِنْ «نُقَّاد الشَّنْطة» الَّذين عَرَفَ نَفَرًا مِنْهم في ذلك الزَّمن البعيد، لَحُقَّ له أن يَسْخَر مِنْهم ما شاء له السُّخْر، لكنَّ الفصل الَّذي أنشأه وأذاعه في النَّاس لمْ يَكُنْ لِيَعْبُر دُون أن يُحْدِث أثرًا، وإنَّنا لَنَعْرِف أنَّ كلمته تلك طارتْ بها الرُّكبان وتناقلها الرُّواة جِيلًا بعد جِيل. هذا حقٌّ، ولكنَّ الحقَّ الَّذي لا شكَّ فيه أنَّ صائغ ذلك المصطلح لمْ يَغْسِلْ يديه مِنْه، حِين أذاعتْه في النَّاس صحيفة سَيَّارة، لكنَّه جعل يُقِيم على ما قاله الشَّاهد والمَثَل، فأنشأ الفصل والفصلين والثَّلاثة يُبَيِّن فيها لقُرَّاء الأدب أيَّ خطر يُصِيب الأدب والثَّقافة مِنْ أولئك «التُّجَّار» – أستغفر الله «النُّقَّاد»! – الَّذين استبدلوا بالسِّلَع التِّجاريَّة المغشوشة المقلَّدة كلامًا معدودًا في «النَّقْد الأدبيّ»، وفي «الأدب»، وفي «الثَّقافة»، وكان خطر «نُقَّاد الشَّنطة» مِنْ أشدِّ ما رُزِئَ به الأدب العربيَّ في عصره الحاضر.
على أنَّني، والحقُّ يُقال، أحاول – طوال الثَّلاثين عامًا الماضية – أنْ أَجِدَ كِتابًا واحدًا مِنْ كُتُبنا على أسوار حديقة الأزبكيَّة بالقاهرة، فأضناني البحث واستسلمْتُ لليأس.
ومع ذلك، فقدْ رأيْنا بعض المؤلَّفات تُخَصَّص لبعض أدبائنا الَّذين لمْ يَبْلغوا، بَعْدُ، سِنَّ النُّضْج، كما رأيْنا بعض المجلَّات العربيَّة تُخَصِّص بعض أعدادها للأدب السُّعُوديّ الحديث، وتلك صورة مِنْ صُوَر الاحتراف.
منصور الحازمي
1412هـ=1992م
عَرَفَ النَّاس، آنئذٍ، عِبَارة «تاجر شنطة»، لشُيُوعها في الصِّحافة والسِّينما، وباتتْ مفردة «المقاولات» تَذيع وتنتشر، يُراد بها كُلُّ ما يُزْرِي بالأعمال الجليلة. وبينما شاعتْ عِبَارة «تاجر شنطة»، في لُغة الاقتصاد والمجتمع، إذا بنا إزاء مصطلح جديد، يَصِم الكثرة الكثيرة مِنَ الأفلام المصريَّة، في تلك المُدَّة، بأنَّها «أفلام مقاولات»، فليس للمنتِج، وليس للمُخْرِج، وليس للممثِّلين، إلَّا أن يَسْعَوْا إلى إنتاج «أفلام» لا يُهِمُّها الوفاء للفنّ ومعانيه السَّامية، قَدْرَ نُزُولها على تلك المَطالب الهَيِّنة الَّتي تُلَبِّي رغائبَ طبقاتٍ جديدةٍ، تَسَلَّمَتْ زمام الأمور، دون أنْ تَشْقَى، وآنَ لها أنْ تَحْمِلَ النَّاس على القِيَم الَّتي تؤمن بها، وما أرخصَها مِنْ قِيَم!
قال الدَّكتور منصور الحازميّ إنَّ «ناقد الشَّنطة» يُشْبه «تاجر الشَّنطة» في ثلاثة أمور: تهريب الممنوعات، وتخريب الاقتصاد الوطنيّ، وضعف الإحساس بالانتماء والولاء. وجِمَاع ما بينهما أنَّ هذا وذاك يَصْدُران عنْ خصيصة واحدة، تفرَّعتْ مِنْها كلّ تلك الخصائص، و»هي إيثار الذَّات بالرِّبح والشُّهْرة».
وعِبَارة منصور الحازميّ السَّاخرة هذه ليستْ ببعيدة عمَّا تقلَّبتْ فيه تلك المُدَّة مِنْ أحوال، وإنَّنا لنلمس فيها دُنُوًّا مِنْ مفردات الاقتصاد والتِّجارة؛ يستبين ذلك في أنَّنا ما إنْ نَفُوه بعِبَارة «ناقد شنطة» حتَّى نَذْكر أختها الشَّقيقة «تاجر شنطة»، ونحن نَعْرِف أنَّ هذه الأخيرة إنَّما هي نتاج اضطراب الاقتصاد والتِّجارة، وفَزَع أُلُوف النَّاس مِنَ الفَقْر، فإذا ما استعار منصور الحازميّ مصطلحه مِنْ معجم الاقتصاد والتِّجارة فلأنَّه أراد أن يُذْكِر قارئه بذلك الاختلال الَّذي أصاب الثَّقافة والأدب والنَّقْد، وَلْنَكُنْ على ذُكْرٍ أنَّ سنوات الطَّفْرة لَمَّا تَنْقَشِعْ سُحُبُها، بَعْدُ، فلا بأس إنِ استمدَّ الحازميّ عِبَارته تلك مِنْ ذلك العهد، على ما فيه مِن اختلال، وعلى ما فيه مِن اضطراب، وفي تلك السَّنوات الَّتي عَرَفَتِ «الانفتاح» في مصر، وُلِدَ «تاجر الشَّنْطة»، وفي تلك السَّنوات الَّتي عَرَفَتْ فيها المملكة العربيَّة السُّعُوديَّة «الطَّفْرة» النِّفطيَّة، وُلِدَ «ناقد الشَّنْطة». وسواءٌ رَمَيْنا أبصارنا إلى مصر، أوْ أَجَلْنَاها، هُنا، فإنَّ «شنطة» التَّاجر أو النَّاقد لا ينتج عنها إلَّا «الفساد»، لأنَّ الأوَّل «تاجر يتخفَّى في زِيِّ مسافر، يحشو حقيبته بما خَفَّ وزنه وغلا ثمنه، ليبيعه على مَن يمتلكون «السُّيُولة»، فيسيل لُعابهم على اقتناء البضائع الأجنبيَّة الممنوعة»، = ولأنَّ الآخَر عَرَفَ أنَّ المجتمع – ولوْ كان محدودًا بحُدُود الأدب والثَّقافة – كان قدْ أوقعتْه «الطَّفْرة» في شَرَكها، فجعل الأدباءُ والمثقَّفون يبحثون عنْ ذلك «النَّاقد» الَّذي يَعْرِف ثمن كلّ أديب أوْ مثقَّف، وما عليه إلَّا أن يفتح «شنطته» ويَعْرِض ما انطوتْ عليه مِنْ «بضاعة مستوردة» تأخذ الأبصار خلابتها، وما عليه إلَّا أن يَنْثُر أمام عُيُونهم تلك «العلامات الثَّقافيَّة» الجديدة، الَّتي لا تُبايِن «العلامات التِّجاريَّة»، حتَّى إذا احتشد «الزَّبائن» على السِّلَع «المُقَلَّدة» الَّتي قَفَزَتْ مِنَ «الشَّنْطة»، عَمِلَتْ عملها في العُقُول وفي العُيُون، فزَهِدَ القوم في ما يَعْرِفون، واستقلُّوا ما بأيديهم مِنْ «سِلَعٍ»، مهما كانتْ مُتْقَنة الصُّنْع جَيِّدته.
وهكذا يقتنع ناقد «الشَّنْطة» بعمله الجليل الخطير. فهو مندوب الغرب إلى الشَّرق، السَّفير فوق العادة لحضارات العالَم المتقدِّم، يَحْمِل في شنطته جميع أفكارهم وقضاياهم وهُمُومهم وآدابهم وفنونهم. ومُهِمَّته تحضير المتوحِّشين، وتوطين البدو أوْ ترويضهم. وقدْ تَعْجَب كيف يستطيع إنسان بمفرده أن ينهض بهذا الحِمْل الثَّقيل الَّذي لمْ تستطعْ أوربَّا مجتمعةً أنْ تنهض به طوال القرن التَّاسعَ عَشَرَ وحتَّى الوقت الحاضر. وكيف تستطيع «شنطته» الصَّغيرة أنْ تحتوي – دُون أن يصيبها فَتْق أو انفجار مُرَوِّع – جميع فلسفات أرسطو، وكانْت، وهيجل، وبيرجسون، وسارتر.. إلخ، إلى جانب أعمال الكلاسيكيِّين والرُّومنسيِّين والرَّمزيِّين والدَّاديِّين والتَّكعيبيِّين والعبثيِّين إلخ إلخ؟! وقدْ تندهش أيضًا في سرعة اتِّصاله بجميع الحركات والمذاهب الجديدة في أوربَّا وأمريكا. فهو يأتيك كلَّ يومٍ بجديد، ويُزَوِّدك بالنَّادر والطَّريف. والأعجب مِنْ هذا كلِّه أنَّه رَجُلٌ لا يُتْقِن لُغةً أجنبيَّةً واحدة. وحينما سافر إلى لندن لِتَعَلُّم اللُّغة الإنجليزيَّة ظَنَّه الإنجليز مِنْ رعايا الكومنولث، فأوصدوا في وجهه الأبواب لأنَّه فقير مُلَوَّن، فاضْطُرَّ إلى قضاء ليلته الأُولى في إحدى محطَّات القطارات مُتَوَسِّدًا قُبَّعته ومِعْطفه.
ولوْ لم يَسْخَرِ الدَّكتور منصور الحازميّ مِنْ «نُقَّاد الشَّنْطة» الَّذين عَرَفَ نَفَرًا مِنْهم في ذلك الزَّمن البعيد، لَحُقَّ له أن يَسْخَر مِنْهم ما شاء له السُّخْر، لكنَّ الفصل الَّذي أنشأه وأذاعه في النَّاس لمْ يَكُنْ لِيَعْبُر دُون أن يُحْدِث أثرًا، وإنَّنا لَنَعْرِف أنَّ كلمته تلك طارتْ بها الرُّكبان وتناقلها الرُّواة جِيلًا بعد جِيل. هذا حقٌّ، ولكنَّ الحقَّ الَّذي لا شكَّ فيه أنَّ صائغ ذلك المصطلح لمْ يَغْسِلْ يديه مِنْه، حِين أذاعتْه في النَّاس صحيفة سَيَّارة، لكنَّه جعل يُقِيم على ما قاله الشَّاهد والمَثَل، فأنشأ الفصل والفصلين والثَّلاثة يُبَيِّن فيها لقُرَّاء الأدب أيَّ خطر يُصِيب الأدب والثَّقافة مِنْ أولئك «التُّجَّار» – أستغفر الله «النُّقَّاد»! – الَّذين استبدلوا بالسِّلَع التِّجاريَّة المغشوشة المقلَّدة كلامًا معدودًا في «النَّقْد الأدبيّ»، وفي «الأدب»، وفي «الثَّقافة»، وكان خطر «نُقَّاد الشَّنطة» مِنْ أشدِّ ما رُزِئَ به الأدب العربيَّ في عصره الحاضر.
على أنَّني، والحقُّ يُقال، أحاول – طوال الثَّلاثين عامًا الماضية – أنْ أَجِدَ كِتابًا واحدًا مِنْ كُتُبنا على أسوار حديقة الأزبكيَّة بالقاهرة، فأضناني البحث واستسلمْتُ لليأس.
ومع ذلك، فقدْ رأيْنا بعض المؤلَّفات تُخَصَّص لبعض أدبائنا الَّذين لمْ يَبْلغوا، بَعْدُ، سِنَّ النُّضْج، كما رأيْنا بعض المجلَّات العربيَّة تُخَصِّص بعض أعدادها للأدب السُّعُوديّ الحديث، وتلك صورة مِنْ صُوَر الاحتراف.
منصور الحازمي
1412هـ=1992م