متعة اللحظة

كنت أتفرج على فيلم يحكي قصة مصور مشهور يعمل على تصوير أهم الأحداث عالميا، ونشرها في أهم الصحف والمجلات

كنت أتفرج على فيلم يحكي قصة مصور مشهور يعمل على تصوير أهم الأحداث عالميا، ونشرها في أهم الصحف والمجلات وفي إحدى اللقطات كان المصور يجلس أمام عدسة كاميرته في إحدى المناطق الجبلية منتظرا حدوث انهيار ثلجي ليقوم بتصويره فظهر أمامه فجأة نمر يتمشى بين الصخور المغطاة بالثلج، فجلس المصور ينظر إلى المنظر في هدوء شديد، فقال له مساعده (لماذا لا تلتقط صورة له؟)، فرد عليه دون أن يحيد بنظره عن المنظر (إنني استمتع بجمال المنظر، فمعظم الأشياء الجميلة لا تبحث عن الاهتمام) خرجت من الفيلم ولم تغب تلك الجملة عن بالي، وقد أدركت كم نعاكس في واقعنا هذه الحقيقة فبينما نحن أمام منظر من أجمل المناظر الطبيعية، أجد من حولي لا ينظرون إليه إلا من خلال عدسات كاميراتهم، أو منشغلين في كتابة مكان تواجدهم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي وبينما نحن في تجمع ما، تجدني أحاول الاستمتاع برفقة من حولي، لأجدهم منكبين على شاشات أجهزتهم تعليقا وتصويرا وتوثيقا فكأن متعة مشاركة المناسبة مع الغرباء غير الموجودين، فاقت متعة مشاركتها مع الأحباء الموجودين نظل نلتقط الصور ونحن في مواقف ومواقع معينة لدرجة أن هوسنا بالتوثيق والمشاركة طغى على عيشنا واستمتاعنا بتلك اللحظة اختلطت علينا الأولويات فبدلا من انهماكنا بالإحساس والتفكير والتأمل والنقاش والحوار والتفاعل، انهمكنا وأشغلنا أنفسنا بصنع الذكرى، ورصدها للملأ، متناسين أن جمال الذكرى يكمن في أنها تذكرك بمتعة إحساسك بالموقف وليس مجرد إثبات وجودك الجسدي فيه وأن جمال المشاركة يكمن في مشاركتها مع من تهتم لهم، وليس مع أيٍ كان لن أنسى أبدا منظر ذلك الرجل الذي فاجأ زوجته في أحد المطاعم بالاحتفال بتخرجها، وفي حين تصدح الأغنية بالاحتفال ويتقدم طاقم الخدمة بالكعكة الكبيرة وهم يغنون لها ويصفقون، نظرت إلى الزوج لأراه مستغرقا في تصوير الحدث ونظرت إلى الزوجة فرأيت ملامح الدهشة والفرح ترتسم على وجهها لثوان قبل أن تسرع بإخراج هاتفها لتقوم هي الأخرى بتصوير الحدث!