الطائفية.. بين الفكري والسياسي
هناك تداخل في معالجة الطائفية بين المجال السياسي، والمجال الديني والثقافي، يحدث معه أحيانا سوء تفاهم وخلافات بين أكثر من خطاب، واتجاه فكري لتحديد الأولويات بين رؤية وأخرى، ولهذا تبدو ضرورة التمييز بين كل مجال وتفهم شروطه الواقعية. ففي المجال الديني تمتد الرؤية اضطرارا لعمق زمني تاريخي سحيق لأكثر من ألف وثلاثة مئة عام،
السبت / 22 / محرم / 1436 هـ - 18:45 - السبت 15 نوفمبر 2014 18:45
هناك تداخل في معالجة الطائفية بين المجال السياسي، والمجال الديني والثقافي، يحدث معه أحيانا سوء تفاهم وخلافات بين أكثر من خطاب، واتجاه فكري لتحديد الأولويات بين رؤية وأخرى، ولهذا تبدو ضرورة التمييز بين كل مجال وتفهم شروطه الواقعية. ففي المجال الديني تمتد الرؤية اضطرارا لعمق زمني تاريخي سحيق لأكثر من ألف وثلاثة مئة عام، ولهذا التعامل معه أدواته العلمية، وإطاره الخاص بين الفقهي والتاريخي وأسباب تراكم الخلافات، وأسلوب معالجتها. من الخطأ أن يتعامل معه البعض بأوامر فوقية بدعوى تغييره.. ففي هذا المجال حتى الرمز الديني لا يستطيع التمرد عليه، بعجرفة وبلا منهج.. وإلا سيجد نفسه خارجه، ولا يضيف للإصلاح الديني شيئا جديدا، وقد حدث هذا لنماذج كثيرة. في المجال الثقافي سيكون الحال أفضل وأكثر مرونة.. حيث النخب الفكرية من المفترض أن تكون متسلحة بمفاهيم الحداثة التي شكلت وعي العالم المعاصر في السياسة ومفهوم الوطن. هذه المفاهيم تحاصر الجميع بشروطها ومعاييرها بما فيه المجال السياسي والديني، وتفرض شئيا من الاقتراب لها. ولهذا هو أكثر المجالات قدرة على الحراك لصناعة خطاب ووعي في المجتمع مختلف وتجاوز.. للإشكاليات الدينية التاريخية، ومتغيرات السياسة وبراغماتيتها في المنطقة. في الإطار السياسي لا مجال أحيانا للانتظار الطويل.. حتى تحل الإشكاليات التاريخية والدينية والثقافية، ولهذا هو الأكثر قدرة لحسم الكثير من القضايا العملية، والسيطرة على أي توترات في مسارات لا يمكن لغيره القيام بها. لكن أيضا هذا المجال محاصر بطبيعته في ظروف خاصة، فوضع القوانين والأنظمة لها حسابات مختلفة، والكثير منها لا علاقة له بأفكار وخطاب هذه الفئة أو تلك، وإنما تحكمها الشروط السياسية للتغيير، وتوازن القوى داخليا وخارجيا في كل مرحلة. يتذكر كثيرون كيف كان الاحتفاء بمبادرة الحوار الوطني عام 2003 م، وكيف فتحت سجالات وحوارات متفائلة، وكيف دفنت بعدها بركام هائل من متغيرات السياسة في المنطقة، وتلاشى مفعولها. في المجال الديني وبالرغم من صعوبة التغيير فيه.. إلا أن هناك الكثير من الملاحظات التي يمكن للنخب من الفئة الدينية تفهمها، والتجاوب معها للمصلحة العامة. فمثلا في بيان «سعوديون بلا أقواس» والذي نشرته جريدة الشرق الأوسط في الأسبوع الماضي، تضمن دعوة عقلانية لعلماء الدين والدعاة والمحتسبين «بأن يمارسوا مسؤوليتهم في ألا يجلبوا مناظراتهم وجدالاتهم المُنافِحَة عن اجتهاداتهم وقناعاتهم إلى الساحة الإعلامية بكل المتاح فيها من وسائل، تقليدية وجديدة، وليُبْقوا مثل هذه المناظرات والمجادلات ضمن دوائرها المختصة» وهي رؤية تستحق الاحترام، والتجاوب معها. فهي ستمنع إقحام الجمهور في قضايا جدلية في التاريخ والفقه.. والتي بحاجة إلى خلفية علمية لا يملكها الفرد العادي، ولا حتى بعض النخب في المجتمع. ولهذا تجد الكتب المطولة في هذه السجالات منذ عقود طويلة لا أحد يتابعها إلا الباحثون الجادون، وحتى عناوين الكتب المشهورة لا تقرأ إلا من فئة مهتمة بهذا المجال. فعبدالله القصيمي بالرغم من شهرته، وشهرة كتابه «الصراع بين الإسلام والوثنية» لم يقرأه إلا قلة جدا من النخب. إن التمييز بين كل مجال وطريقة معالجة لهذه الإشكاليات.. يتيح مساحات أكثر للتغيير الإيجابي، إذا تجمد أحد هذه المجالات في ظروف زمنية خاصة.