ابتعاثهن أم.. نفيرهن؟!

الأسبوع الماضي أعلنت وزارة التعليم العالي أن السعوديات المتقدمات لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي نافسن خلف الكواليس صراعا خفيا مع الشباب لحجز مقاعد في أفضل جامعات العالم، وكشفت الوزارة أن السعوديات المقبولات في البرنامج 4930 ما نسبته 47% من إجمالي المقبولين. أي إن 4930 امرأة استطعن التحرر من قيود مجتمع نسائي مشبع بالفكر الأصولي.

الأسبوع الماضي أعلنت وزارة التعليم العالي أن السعوديات المتقدمات لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي نافسن خلف الكواليس صراعا خفيا مع الشباب لحجز مقاعد في أفضل جامعات العالم، وكشفت الوزارة أن السعوديات المقبولات في البرنامج 4930 ما نسبته 47% من إجمالي المقبولين. أي إن 4930 امرأة استطعن التحرر من قيود مجتمع نسائي مشبع بالفكر الأصولي.

العلم في هذه المرحلة الزمنية في منطقتنا المكانية بحاجة إلى نساء يصبأن عن أفكار تزمت الدين الأصولي وهو المستنقع الذي يسبح فيه الوسط النسائي السعودي منذ عقود من الأزمنة، حينما تصبو المرأة عن الأصولية وتعتنق العلم فإنها تنال من المكاره ومن الأذى ما لا تناله أي امرأة في مشرق الأرض أو مغربها، فبمباركة الخطاب الأصولي على منابر المساجد والكاسيتات والتجمعات الدعوية تفقد المرأة المتعلمة أول روابط العلاقة بهذا المجتمع، وعليه فإن من تخوض غمار المعارك في مجالات الطب والمحاماة والصحافة وجل المهن التي تتطلب مقاييس ذكاء عقلية عالية، تكافأ بالتحريض على سمعتها والتشكيك في «شرفها» لأنها الشبهة الناجحة التي سيقطع بها المجتمع رابطه بها ولا يقترب منها بالثقة والأهلية على التعامل معها أو حتى بالزواج أو تأسيس أسرة فالهدف قطع النسل منها للأبد واستئصالها من المجتمع لشذوذها عن الكثرة، فمخالطة الرجال تلفها فانتازيا رسمت في وعيه كبائعة هوى! وليس هذا فحسب بل إن الأمر ازداد سوءا حينما خاضت نساء العلم معارك الانتصار للفوز ببطولة جهاد العلم خارج الوطن، فارتفعت خطابات الهمز واللمز ليس بدعاوى التشكيك في الشرف فقط إنما أضيفت لها مخاطر التغريب وما فيه من شبهات الإخراج عن ملة الإسلام! فالعلم لما يلج عقول النساء سيطرح بمكانه الدين! هذا الظلم الكبير الذي يحل بلعنته على المرأة المجاهدة في ساحات العلم والمعرفة لم يثر غيرة ولا مروءة يعض علماء الدين أو المشايخ، كم من رجل دين رفع من على منبره أو بقلمه من شأن المرأة المتعلمة بالعلوم الحياتية غير الشرعية التقليدية النظرية وسجل شهادته للتاريخ بأهمية دور المرأة المبتعثة في التقدم الحضاري وتغيير دفة الخطاب الثقافي المليء بالأصولية؟! بالمقابل ريم الجريش، إحدى ضحايا الفكر الأصولي، نفرت إلى سوريا وقبلها أسماء نسائية ظهرت على المشهد الأمني في قضايا الإرهاب أمثال وفاء الشهري ومي الطلق وأمينة الراشد وهيلة القصير، ليست إلا عنوانا عريضا لما يعانيه الفكر النسائي من اختطاف بين أروقته المغلقة ومن إحلال للفكر الأصولي وتعزيزه في النفوس على مر العقود المنصرمة بما يقدس مكانة معتنقاته. إذا كانت قيم التغريب بكل ما فيها من لوث لفظي ابتدعه المتزمتون لقطع كل محاولات الوصول بالمرأة التي تعلمت في الخارج كمبتعثة فماذا عسى أن يكون تسلل المتطرفات من خارج منازلهن وانفلاتهن مع شلل من المهربين ممن لا يرجى من سلوكهم الرقي أبدا طالما أنهم ضد قيم الوطن وضد اعتداله الديني وضد الإنسانية؟! أين العار يا ترى؟! وإذا كانت قيم الاختلاط قد صورت في صور سلبية حتى صارت العاملة في المستشفى أو القابعة خلف كاشير أمام خلق الله أجمعين أشبه بالداعرة في المقهى الليلي، فماذا عسى أن تكون المتطرفة التي تلقي بنفسها في سيارات يقودها مجرمون في أسفار طويلة وفي ظلمات ليل لا يدرى متى خطط لها، آسرة معها مصير أطفال هم مواطنون لهم حرمة النفس ولهم حق الحماية؟ ثم تنخرط في معسكرات مليئة بمتطرفين من كل بقاع الدنيا مجهولي السمعة والسير الذاتية! وإذا كانت قيم ما تجنيه المرأة من الإبحار في علوم الطب والهندسة والبحث العلمي والقانون والصحافة وغيرها هي ما يجعلها أمّا زوجة غير صالحة بتاتا للزواج منها، فماذا عسى أن تكون المرأة المتطرفة التي لم تجن من مناهل العلم حرفا ولم تكتف إلا باعتناق فكر الخوارج؟! لم يستخلف الله الناس في الأرض ليتحولوا إلى آلهة ينزل كل طرف فيها أقصى عقوباته على الآخر، استخلفنا الله في الأرض لإعمارها، آن الأوان لتجريم تزمت متطرفي الخطاب الديني ضد المرأة، فالمرأة المتعلمة والمبتعثة في مردودها العلمي لا توضع في الكفة مع متطرفة في مردودها الأصولي.