الرأي

الفاتورة المجمعة

فارس هاني التركي
البعض مقتنع ومصر تماما بأن وزارة العمل، بخططها وأنظمتها وقراراتها وبرامجها الحالية، هدفها الأساسي هو محاربة التجار صغيرهم قبل كبيرهم، وكل قراراتها التي تشمل على سبيل المثال زيادة رسوم الوافدين، وسعودة بعض القطاعات بالكامل، ومؤخرا الرسوم المجمعة، لم تساهم سوى في رفع التكلفة على الشركات مما أدى إلى إفلاس العديد منها وإخراجها من السوق.

وجهة نظر متطرفة بعض الشيء لكن أصحابها لهم حججهم وأرقامهم ودلائلهم الحقيقية من أرض الواقع والتي تتمثل في خسارة بعض الشركات وإفلاس بعضها الآخر وهروب رؤوس الأموال لدول مجاورة مثل الإمارات والبحرين، والارتفاع المستمر في نسب البطالة لدينا.

في المقابل نجد أن الوزارة تتعامل مع سوق عمل مشوه ومعقد، الأجنبي يقبل فيه بأقل راتب، والسعودي غير مؤهل فنيا بالشكل الكافي، فالربط بين الجامعات وحاجة سوق العمل شبه معدوم. هذا بالإضافة إلى التستر في العديد من القطاعات التي تسيطر عليها جاليات محددة، فالبقالات تسيطر عليه جالية، وسوق الخضار تسيطر عليه جالية، والصيانة جالية، والدعاية والإعلان جالية. وإذا أراد السعودي أن يبدأ مشروعا في هذه القطاعات يصعب أو تستحيل عليه المنافسة نظرا لخبرة العمالة الأجنبية وقوة سيطرتها على القطاع.

فكان لا بد من تدخل وزارة العمل لوقف استمرار هذا التستر، وتسهيل دخول السعودي لهذه القطاعات، فكانت الأنظمة المتتالية والتي منعت الأجنبي من العمل في بعض القطاعات بشكل كامل، والعديد من الرسوم التي رفعت تكلفة العامل الأجنبي في القطاعات المفتوحة.

من ناحية المبدأ لا خلاف إطلاقا على ما تقوم به وزارة العمل، ولكن على أرض الواقع نجد أن هناك العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تضررت بشكل مؤلم من هذه القرارات المفاجئة، فليس الكل متسترا، وليس الكل محجما عن توظيف السعوديين، وليس الكل يحصل على هوامش ربح عالية تمكنه من تحمل تبعات هذه القرارات.

الدارس لهذه القرارات يعلم أنها سوف تجبر البعض على الخروج من السوق، ولكنه يطمح في أن يكون السوق بعدها أقل تنافسية وأكثر جاذبية وربحية بحيث يقبل ويتشجع السعودي بالدخول فيها بعد أن أصبحت أجورها مرتفعة.

فعلى سبيل المثال لو أن في أحد الأحياء عشرة محلات حلاقة، ومتوسط سعر الحلاقة ثلاثون ريالا للشخص، وجميع من يعمل في هذه المهنة هم من العمالة الوافدة، والسعودي لا يرغب بالعمل كحلاق نظرا لتدني راتب هذه المهنة. فلنفترض ونتيجة لقرارات وزارة العمل برفع رسوم العمالة الوافدة أو سعودة مهنة الحلاقة بالكامل سوف نجد ربما أن ثمانية من عشرة المحلات في هذا الحي سوف تقفل تماما. ماذا سوف يحدث لأسعار الحلاقة؟ بدون شك ونظرا لانخفاض المعروض بنسبة 80% سوف نجد أن أسعار الحلاقة ارتفعت بشكل خرافي، قد يصل حينها سعر الحلاقة إلى 100 ريال للشخص. وحينها فقط قد يقبل السعودي بهذه المهنة نظرا لارتفاع أجرها. فعشرة زبائن في اليوم فقط تجعل دخلك الشهري 30 ألف ريال. هذا المثال إيجابي تماما نظريا فقط، ولكن على أرض الواقع ليست كل محلات الحلاقة متسترة، وليس كل المحلات التي سوف تغلق لا يعمل بها سعوديون. فتأكد عند إفلاس أي شركة صغيرة أو كبيرة كانت أن هناك العديد من الموظفين السعوديين المتضررين والذين سوف يضافون إلى نسب البطالة. وكذلك يجب أن نأخذ في الاعتبار المستهلك الذي سوف يواجه ارتفاعا شديدا في الأسعار، فليس الكل قادرا على تقبل ارتفاع أسعار الحلاقة من 30 ريالا إلى 100 ريال.

بالتأكيد «الحلاقة» مجرد مثال للتوضيح وتستطيع إسقاطه على أي مهنة أو قطاع آخر.

جميعنا مع السعودة، فالبطالة وضعها غير مقبول تماما، وأغلبنا لديه قريب أو صديق لم يجد عملا بعد تخرجه، ولكن الحل يجب أن يكون واقعيا وتدريجيا ويفرق بين حجم الشركات والتزامها بالسعودة ومساهمتها في اقتصاد البلد. بالتأكيد وزارة العمل لا تريد محاربة التجار، ولكن لا بد من توضيح الخطط ودراسة جدوى القرارات المتتالية، ولا بد من مشاركة القطاع الخاص في كل القرارات الخاصة بالوزارة، فالهدف مشترك والمصلحة واحدة، ولكن الفرق بين القرارات ونتائجها كبير جدا، وحل البطالة في جميع دول العالم لم يتحقق إلا بيد القطاع الخاص، وتهيئة البيئة والأنظمة المساعدة له للتوسع والنمو وخلق المزيد من الوظائف، وليس بسحقه وتضييق الخناق عليه.

farooi@